للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الجلوس مع شباب غير ملتزمين]

السؤال

أنا شاب أحب الخير وأحب الصالحين الطيبين، ولكني أصاحب أناساً يدخنون وكلامهم غير طيب، وقد يؤخرون الصلاة ويغتابون الناس ولا يشجعونني على الخير، فبماذا تنصحني جزاكم الله خيراً؟

الجواب

أولاً: أسأل الله جل وعلا أن يمن على من تصاحبهم بالهداية، وأن يهديهم إلى الانتباه والالتفاف للصلاة مع جماعة المسلمين، والاهتمام بالصلاة بحد ذاتها أولاً وأخيراً، وإلى ترك ما يضرهم من التدخين وغيره من العادات السيئة.

في الحقيقة: الآن الإنسان يعيش أمام جمع كثير من الأصدقاء والجلساء وله أن يضع نفسه في المقياس الذي يريد، الناس اليوم في المجتمع طبقات، فإن شئت أن تضع نفسك مع الطبقة -ما أقول مجتمعنا طبقية اشتراكية، أو طبقية ما يسمونها بروتاريا وطبقية أخرى لا- أي: أن الناس فئات في هذا المجتمع تجد فئة مثقفين نبلاء عقلاء، وتجد فئة لا يهمها في جميع الأحوال إلا اللهو واللعب، وتضييع الأوقات بأي سبيل من السبل وبأي وسيلة من الوسائل، فأنت في البداية أين تريد أن تضع نفسك، تريد أن تكرم نفسك فاصحب خيار القوم كما قال الشاعر:

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

ثم يا أخي العزيز! خذها قاعدة: الإنسان يتأثر بجليسه قد يقول: لا.

أنا لست أدخن معهم، لا شك أن التدخين ضار ولسنا الآن في صدد بيان مضار التدخين، لكن أقول يا أخي العزيز: جليسك يؤثر عليك تأثيراً نفسياً قبل أن يكون تأثير عادات وتأثير سلوك.

يذكرون أن أحد الملوك أهدي إليه حصان، فاستشار وزيراً فطناً ذا فراسة قال: يا وزيري! ما رأيك في هذا الحصان الذي أهدي إلي، قال: هذا حصان أصيل ومن سلالة عريقة، لكن هذا الحصان قد تربى مع بقر، فاستغرب الملك وقال: كيف عرفت أنه تربى مع البقر؟ قال: لأن من عادة الخيل أن تتنظف بأسنانها وليست تتنظف بلسانها، فهذا دقق النظر في طريقة تنظف هذا الفرس فوجده يتنظف بلسانه، والخيل من عاداتها أن تتنظف بأسنانها، فبهائم طباعها أثرت على بعض فما بالكم بإنسان له عقل وله فؤاد وسمع وبصر ألا يتأثر بطبيعة جلسائه؟ والله ليتأثر.

بعد أيام أهدي إلى هذا الملك صقر فاستدعى وزيره صاحب الفراسة، قال: يا وزيري! ما رأيك بهذا الصقر الذي أهدي إلي؟ قال: والله صقر ما مثله أبداً؛ لكن هذا الصقر تربى مع دجاج -ولعلكم تضحكون- قال: كيف تربى مع دجاج؟ قال: لأن من عادة الصقور أن تحلق في السماء وليس من عادتها أن تخنع بنظرها إلى الأرض، الصقر لا يبحث عن حب في الأرض ويلقطه، لا، الصقر دائماً تكون عيونه إلى السماء يرى فريسة تحوم فينقض عليها ويأتي بها إلى الأرض، لا يلتقط شيئاً من الأرض.

فيا إخوان! ليس غريباً أن يتأثر الإنسان بمن يجالس، ولولا أن الإنسان يقدر صداقات ومودات بينه وبين أحبابه لتمنى أن يجالس من هو أفضل منهم علماً وأدباً ونبلاً وأخلاقاً؛ لأنك يوماً بعد يوم تزداد من صفاتهم وتكسب من أخلاقهم، ويا حبذا أن يكون لك دور ونشاط طيب في أنك تبحث عن جليس أو جلساء صالحين وتترك جلساءك هؤلاء.

يا إخوان: يجب أن نفهم الدين فهماً طيباً، لا يعني حينما نقول: جلساء طيبين، نتكلم باللغة ولو كانت عامية، لا يعني أن يكون شاباً معقداً كما يقول البعض، وحاشا لله أن يكون الشاب مستقيماً يفهم الدين فيكون معقداً، لكن إذا قصر البعض بتطبيق السنة وإذا أساء البعض أسلوب الدعوة إلى الإسلام فينبغي ألا ننسب الدين وألا ننسب التدين إلى كثير من الشباب في هذا الأمر، ينبغي أن نفهم الأمر، البعض يقول: لا.

أنا حينما أكون متديناً يبقى لي ثوب نصف الساق ويبقى لي سواك ما يطيح ولا يطلع من المسجد، يا أخي! أنت بشر والبشر يذنبون ويستغفرون، والصحابة وهم أفضل الخلق بعد رسول الله أذنبوا واستغفروا، أهم حاجة أن نكون على التزام ولا يعني أن الملتزم لا يسقط على الطريق لا قد يسقط ويرجع.

صحابي جاءته امرأة لتشتري منه تمراً -كان تماراً- فأعجب بجمالها فقال: لعل في البيت تمراً أجود من هذا، فلما خلا بها إلى داره كان بينه وبينها ما ينبغي إلا أن يكون ما بين الرجل وزوجته من الضم والتقبيل؛ إلا أنه لم يفعل معها ما يفعل الزوج من جماع زوجته، كما يقولون: من بعيد لبعيد، فندم على ذلك واستغفر وتاب، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره، فأطرق صلى الله عليه وسلم هنيهة حتى تغشاه الوحي ونزل قول الله جل وعلا: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤] أكثر من الحسنات وتب من السيئات.

المصيبة إذا وقعت السيئة أن تتبعها سيئة، المهم إذا استطاع الشيطان أن يغلبك فلتعقب ما عمله الشيطان بتوبة واستغفار؛ لأن الله جل وعلا يوم أن وصف المؤمنين في سورة آل عمران، قال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} [آل عمران:١٣٥] ينبغي أن تقلع عن الذنب: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] أولئك: فذكر الله مصيرهم وما أعد الله لهم في الدنيا والآخرة من النعيم والطيبات في الدنيا والآخرة.

إذاً: يا إخواني! المهم أن نفهم حقيقة التدين، وأن نفهم حقيقة الالتزام، أهم أمر أن الإنسان لا يقع من سيئة إلى سيئة، وإن كانت المعاصي بعضها تدعو بعضاً، السيئة تقول: أختي أختي، والحسنة، تقول: أختي أختي، ولكن الإنسان الذي يعصمه الله جل وعلا وإن وقع في معصية فإنه يستغفر ويتوب ويعود إلى الطريق المستقيم، ومع ذلك يبقى مع جلسائه ومع أصدقائه الطيبين وإن كان الشيطان يأتيه يقول له: لا.

أنت منافق تجالس هؤلاء الطيبين وأنت تذنب؟ لا.

اذهب وابحث لك عن شلة فاسدة مثلك حتى تعمل أنت وإياهم كل شيء، ولا تكون معهم أربعاً وعشرين ساعة على هذا المنوال وعلى هذا الخط، لا.

هذا ليس صحيحاً، الشيطان يريد أن يبعدك مرحلة مرحلة حتى تقع في الحضيض والهاوية، لكن إذا أذنب الإنسان قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أنا بشر وأخطأت، وباب التوبة مفتوح، وكلكم يعرف قصة رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، هل هناك أعظم من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق بعد الشرك؟ لا أعظم من ذلك، قال رب العالمين: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

يا إخوان! المعصية صار لها آثار على النفس، لها آثار في نفسك، وعلى علمك، وعلى استقامتك، وفي رزقك: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) لكن أهم شيء أنك إذا وقعت في معصية أو في شيء من هذا أن تعود إلى الله.

أسأل الله للجميع التوفيق والاستقامة على دينه.