للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوبة التوبة يا شباب!]

يا شبابنا ما الذي يمنعكم من التوبة؟ هل تحتاج التوبة إلى برقية عاجلة للإفتاء؟ هل تحتاج التوبة إلى وساطة أحد؟ أبداً والله، توضأ وأحسن وضوءك واسأل الله جل وعلا أن يتوب عليك توبة نصوحاً، وأن يقبل توبتك ثم عُدّ، فما وجدت عندك من الأمور التي لا ترضي الله أبعدها وتجنبها واتركها، ثم ابحث عن الصحبة الطيبة، ابحث عن الجليس الصالح، وعلق نفسك به: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٢٨].

شاب يريد أن يتوب إلى الله من التدخين والمخدرات، والصور الخليعة والأفلام الماجنة، والأغاني الهابطة، يكسر الأفلام اليوم وينتهي منها، وغداً يذهب مع الشباب يشاهد ويقول: يا حظكم عندكم أفلام وأنا كان عندي أفلام.

لا يصح هذا، ما دمت تبت إلى الله، اترك هذه المجالس، وجالس حلق الذكر وأصحابها، جالس الذين ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله.

أما أن الإنسان يتوب اليوم وغداً يجلس مع الفنان أو مع المطبل فهذا لا يكون، لكن تب إلى الله وبدلاً من جلسات اللهو ابحث عن مجالس البر والخير، فأنت المستفيد {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:٤٦] {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:٨٩] أنت المستفيد الأول، الإسلام غني عنك، الدين ماض بك وبغيرك، بك وبدونك، {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:٨٩] {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤].

فيا إخواني: لا يظن الواحد أنه يَمُنُّ على الدين يوم أن يلتزم، أو أن هذا الدين متوقف على التزامه، لكن هو مَن يستفيد، لو توفاك الله هذه الليلة ماذا ستفعل؟! يذكر لي أحد الإخوان عن شاب أنه كان مسافراً هو وزوجته وأطفاله، والسفر كان طويلاً، وأثناء الطريق أصاب الطائرة خلل، وقام المضيف يتكلم: يوجد بالمحرك الموجود في المكان الفلاني من الطائرة خلل، والمخارج هي التي ترونها قد أضيئت عليها الإضاءة، وأخذ يشير إلى المخارج.

ماذا فعل الرجل؟ قام يبكي وانتفض وتغير وجهه، حتى إنه ما ذكر، أخذ يبكي يبكي ويلتفت يمنة ويسرة، وأما زوجته فقد أخذت الأطفال بجوارها وضمتهم وهي تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

يقول لي الشاب: بفضل الله جل وعلا صلح العطل ونزلت الطائرة بسلام.

يقول: فقلت له: أما زوجتك فما كانت تخشى من المعاصي، ولذلك عرفت أنها تقدم على الله بمغفرة ورحمة، وإن كان عندها شيء من الذنوب اليسيرة من اللمم وأمر الغفلة -ليس من الغفلات المقصودة، أي من الخطأ والسهو الزلل اليسير- ولذلك ثبتها الله وضمت أولادها حولها، وأخذت تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأما أنت فتذكرت الذي يخزيك ويسوؤك عند الله، وأخذت تبكي وتصيح كالمرأة.

المرأة ما بكت وإنما ضمت الأولاد وأخذت تحوقل وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لأنها ما ذكرت أموراً بارزت الله بها، أو فعلتها سراً وعصت الله، واختلت في معصية الله بها، وأما أنت فقد تذكرت المصائب، تذكرت ليلة فعلت بها كذا، وتذكرت فيلماً سهرت عليه، وتذكرت مجلة موجودة عندك الآن، وتذكرت شريطاً يوجد في الدرج الفلاني، وتذكرت رقماً يوجد في جيبك، وتذكرت كذا، فأصبحت تبكي، وتنزعج بهذه الطريقة، ماذا قال؟ قال: صدقت والله! نعم يا إخواني: الذي يعمل المعاصي ولا يتوب منها، يخشى من سوء المطلع، والخاتمة، وأما الذي يحرص على الطاعات، ويبتعد عن المعاصي، تجده يقدم على الله، وإن كان يعلم أن عنده بعض الذنوب، لكن يثق أن رحمة الله أوسع من هذا كله، ومن أحسن العمل أحسن الرجاء.

الآن تجد الإنسان الذي يذاكر ويستعد للامتحان، ويقدم مذاكرة طيبة، وعنده أعمال سنة، يقول: إن شاء الله ننجح، وتجده مطمئناً، ونرجو أن ننجح، ونرجو النتيجة تكون طيبة، لكن هذا الذي لم يقدم شيئاً ولم يدرس ويهتم، فطبع على قلبه، وتجده منكسر البال، خائفاً على مستقبله ومصيره الغامض، لأنه ضيعه بما أودع في أيامه ولياليه من الغفلات والشهوات.

فيا أحباب التوبة التوبة، والعودة العودة إلى الله.