للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحقوق الزوجية بين الإفراط والتفريط]

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في مستهل هذا اللقاء أسال الله عز وجل بأسمائه وصفاته أن يجعل لإخواننا وأخواتنا الحاضرين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كما أؤكد على مسألة أنتم في غاية العلم بها، ولكننا لا نستغني عن ضرورة التذكير والتواصي ببيانها والحث عليها بين الفينة والأخرى، ألا وهي ضرورة العناية بحلَقِ الذكر ورياض الجنة، وعمارة المساجد بها، ولو لم يكن في ذلك من الفضل إلا أن تحفنا الملائكة، وتغشانا السكينة، وتتنزل علينا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده، لكان ذلك كافياً، فضلاً عما في هذه المجالس من الفوائد والفضائل والكرامات والدرجات.

ولعل بعض الأحباب قد زهدوا في الحرص على حضور حلق الذكر ورياض الجنة، وأقول لهم: لا تكتفوا بسماع هذه المواد والنصوص من الأشرطة فحسب، فالأشرطة وإن كانت نافعة، والصفحات الإسلامية التي امتلأت بها صفحات الإنترنت الآن وإن كانت نافعة، والبرامج المتنوعة وإن كانت نافعة؛ إلا أنها لا تحضرها الملائكة، أما حلق الذكر في بيوت الله، في المساجد فإن الملائكة تحضرها، وترتفع بأنباء عمَّارها إلى من يعلم السر وأخفى؛ ليزداد الحاضرون بذلك شرفاً، أن يذكروا في ملأ الله الأعلى، ثم ليكرموا بفضل من الله عظيم، تعمهم الرحمة، وتغفر ذنوبهم، وينصرفون وقد شهدت لهم الملائكة بذلك حتى تقول الملائكة: (يا ربنا! إن فيهم فلان بن فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة.

فيقول الله عز وجل: وله غفرت معهم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) هذه مسألة بين يدي الحديث في هذا الموضوع، وأوصي إخواني وأخواتي بالعناية بها، وألا يجعلوا سماع الشريط أو قراءة الكتاب مغنية أو كافية عن حضور هذه المجالس التي يلحظ الواحد جملة من الفوائد والآثار المباركة الطيبة على نفسه وعلى أهله حال حضورها.

أما موضوع حديثنا كما اختاره الإخوة: "حقوق الزوج" ولا أدري لم قصروه على ذكر حقوق الأزواج دون أن يذكروا حق الزوجات، ولعل السبب في ذلك أن الكثيرين أفاضوا في حقوق الزوجات على الأزواج، وحقوق النساء على الرجال، حتى كأن الكفة مالت بحقوقهن على حقوق الرجال، فلابد أن يعتدل الأمر بالتركيز والعناية على بيان حقوق الرجال على النساء، وحقوق الأزواج على الزوجات وذلك أمر محمود.

أحبتنا في الله: من الطرائف والغرائب أن هناك جمعيات ظهرت الآن في البلدان التي نالت شؤم السبق وليس قصب السبق في إعطاء المرأة حريتها، والتي رفعت لواء تحرير المرأة، ونادت بنبذ القوامة ورفع كل أمر أو نهي أو توجيه أو إرادة أو تصرف من قبل الرجال على النساء، في تلك البلدان أسست الآن وظهرت جمعيات هي جمعيات تطالب بمساواة الرجال بالنساء، وأول ما بدأت فتن التغريب والحرب الشعواء ضد الإسلام وأحكامه وشرائعه ومبادئه كان ينادون من خلال جمعيات تنادي بمساواة النساء بالرجال، أما الآن فلما بلغ الأمر، وطفح الكيل، وأصبحوا يعانون ما يعانون من ألوان العهر والفجور، والزنا والخنا، والانحراف والرذيلة والضلالة، وما تبع ذلك من تهدم الأسر، وضياع الأبناء، وكثرة أبناء الزنا وغير ذلك، فأصبحوا الآن من خلال جمعيات يؤسسونها ينادون بمساواة الرجال بالنساء خلافاً لما رفعوا عقائرهم به من قبل ينادون بمساواة النساء بالرجال.

والحقيقة أن كثيراً من النساء اليوم يجهلن حقوق الأزواج عليهن، وهذا الموضوع يتنازعه طرفا نقيض: طرف يرى تفلت المرأة وخروجها وتحررها كما يسميه من قوامة الزوج بلا حدود، من خلال ما نسمعه من ادعاءات مغرضة آثمة كاذبة خاطئة، وطرف متعسف غاشم لا يرى للمرأة حقاً، فاستعبد المرأة وأذلها، والحق أن العدل مطلوب، وقول الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:٢٢٨] والعاقل ينظر إلى العدل الذي جاءت به الشريعة من غير غلو ولا تفريط:

فلا تك فيها مُفرِطاً أو مفرِّطاًً كلا طرفي قصد الأمور ذميم