للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل حلق الذكر]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجه ربنا وعظيم سلطانه، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله حتى يرضى والشكر له إذا رضي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، نشهد أن لا إله إلا الله ولا رب ولا معبود بحقٍ سواه، نشهد أن الذي خلقنا هو الله، وأن الذي أحيانا ويميتنا ويبعثنا ويحشرنا وينشرنا هو الله، نشهد أن الذي يرزقنا ويمنعنا ويقبض رزقنا ويبسط في حظنا هو الله جل وعلا.

نشهد أنه المتصرف المالك المدبر المحيي المميت، المعز المذل، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك عمن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أشهد أن لا إله إلا الله فلا سجود ولا ركوع ولا توكل ولا حلف إلا به وعليه وله، ولا يجوز صرف قليل أو كثيرٍ من ذلك لغيره: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].

أشهد أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٨٠] فأسماء الله حسنى بالغة في الحسن غايتها، وصفات الله جُلَّى لا يشابهه فيها أحد جل عن الشبيه والند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].

أيها الأحبة في الله: أحمد الله الذي جمعنا وإياكم وهدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي منَّ على قلوبنا فأَمرَتْ جوارحنا وانقادت لحضور حلقة من حلق الذكر لا نرجو فيها إلا ثواب الله جل وعلا، أنتم تعلمون أن المكان هنا ليس فيه حظٌ من حظوظ الدنيا، لا مال نقبضه، ولا رزق تقبضونه، ولا مرتبة تنالونها، وإنما اجتمعنا ونشهد الله ربنا المطلع علينا وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور منا، نشهده أنا جئنا حباً لكم في الله وأشهد الله جل وعلا وأشهدوا ربكم على أنفسكم أن ما جاء بكم إلا ابتغاء أن تحفكم الملائكة، وتغشاكم السكينة، وتتنزل عليكم الرحمة، ويذكركم الله فيمن عنده، ففي الحديث (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٍ من ملئه).

أحبابنا إخواننا يا رجال التوحيد يا وجوه الإيمان يا عزة الأمة بإذن الله جل وعلا: أيسركم أن تذكروا الآن في السماء السابعة في الملأ الأعلى؟ الله أكبر! فلان بن فلان تذكره الملائكة في الملأ الأعلى في السماء السابعة، يجلس حلقة من حلق الذكر جاء إليها لا يريد ريالاً ولا درهماً ولا خميصة ولا خميلة، ولا وظيفة ولا منصباً، جاء لكي يرضى الله عنه، وفي الحديث الطويل تعرفونه وأعيده حتى نستذكر النية: (إن لله ملائكة سيارين يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا نادى بعضهم بعضاً أن هلموا، فإذا اجتمعوا ناداهم ربهم علام اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمعوا يسألونك الجنة، ويستعيذون بك من النار، فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! وهل رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: لا يا رب! ما رأوها، فيقول الله: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً، فيقول الله جل وعلا: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا.

فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! كيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً، فيقول الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني قد غفرت لهم).

هنيئاً لنا إن مشت بنا الأقدام إلى هذا المكان خالصين مخلصين لوجه الله لا نريد إلا رضا الله، هنيئاً لنا إن خلصت نياتنا لا نبتغي إلا رضا الله، إن رضي الله عنا فلا نسأل، إن رضي الله عنا فلا نبالي، إن صحت الحال بيننا وبين الله فما بيننا وبين الناس يصلح.

فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضاب

إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب تراب

وليت الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خراب

وفي الحديث وقول النبي أبلغ وقول الله أبلغ: (من ابتغى رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عنه الناس).

اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، اللهم اجعل لنا من كل ضيقٍ مخرجاً، اللهم اجعل لنا من كل بلاءٍ عافية، ومن كل فتنة عصمة، اللهم جئنا نبتغي خيراً من فضلك ونعمة من نعمك، اللهم فلا تردنا محرومين يا رب العالمين! اللهم لا تفرق جمعنا إلا بذنبٍ مغفور، وعيبٍ مستور، وتجارة لا تبور، اللهم لا تدع لهذه الوجوه الطيبة المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً من ذكرٍ أو أنثى إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين!