للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع قصة يوسف وامرأة العزيز]

أيها الأحبة في الله: إن هذه المسألة من أخطر المسائل ألا وهي فتنة النساء، وإن كثيراً من الناس ربما يصمد أمام المدفعية وربما يصمد أمام الرشاش، وربما يصمد أمام القنابل الدبابات ويصبر على حمم الطائرات ودويها، ولكنه لا يصمد دقائق أمام امرأة ذات منصب أو ذات جمال أو جمعت بين الأمرين جميعاً؛ لأن فتنة النساء عظيمة.

في صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه ضمنت له الجنة) أي: من حفظ فرجه وحفظ لسانه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كفيل وضمين وزعيم له بالجنة بإذن الله جل وعلا، ولا تخفاكم قصة يوسف عليه السلام لما غلقت الأبواب امرأة العزيز وقالت: هيت لك، قال: معاذ الله، تذكر ربه، وذكر نعم الله عليه، وذكر ما أنعم الله به عليه فاستعاذ بالله، ومن استعاذ بالله فقد نجا، ومن لجأ إلى الله فقد عصم، ومن توكل على الله فقد كفي، قال: معاذ الله، ولما هددته وبلغ التهديد منه مبلغاً حتى طاردته، ودخل العزيز ذات مرة ورأى شيئاً من الريبة، وألفيا سيدها لدى الباب، فانقلبت عليه فاتهمته بالفاحشة: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:٢٥] ماذا قال يوسف الذي هو حرٌ قد بيع رقيقاً، وعزيزٌ قد أصبح طريداً شريداً، وأصبح خادماً في بيت السلطان: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف:٢٦] وظهر البرهان الحسي، البرهان القريب: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف:٢٦] لأنه إذا شق القميص من الأمام من القبل فمعناه أن يوسف عليه السلام -وحاشاه ذلك- أراد أن يندفع إليها فدافعته فانشق قميصه من ذلك: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:٢٧] أي: أن يوسف هو يهرب وهي تلحقه وتجذبه بقميصه فيتشقق قميصه من هذا: {فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:٢٨ - ٢٩] قيل: إن هذا كان قبل إسلام العزيز وإلا فلا يعقل أن رجلاً يجيب على مثل هذا الموقف الذي فيه من خروج امرأته عن حدود العفة والطهارة والحياء وحفظ الفراش وحفظ النفس بهذا الكلام: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:٢٩].

لما بلغ الأمر منها مبلغاً وتحدث صويحباتها ونساء المدينة: {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} [يوسف:٣٠ - ٣١] حتى تبين أنها لا تلام في باطلها الذي همت به وإن كانت في الحقيقة قد أسرفت على نفسها بهذا الفعل: {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف:٣١ - ٣٢] هل انتهى الأمر؟ لا: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:٣٢] إما أن يفعل الفاحشة، إما أن يختار الرذيلة، إما أن يجيء إلى الفراش، إما أن يأتي إلى علبة الليل، إما أن تطفأ الأنوار ويحصل الستر وإما أن يسجن.

فماذا قال عليه السلام وهو شابٌ حدثٌ صغيرٌ في قوة شبابه ضعيفٌ أمام زوجة الملك في قصرها في دلالها في جمالها في أبهتها في سلطانها بين وصيفاتها وخدمها وحشمها، تدعوه وتهدده، فماذا يقول؟: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:٣٣] هل منا من قال ذلك؟ {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:٣٣].

أين شباب الأسواق العقارية وأسواق الشعلة، وأسواق العامة الذي الواحد منهم يخرج وقد ملأ جيبه بعشرات الأرقام من رقم هاتفه وهاتف أصدقائه ويمشي ويوزع، حتى أن بعضهم يحتال في استخدام بعض الأساليب كي يلصق الرقم بعباءة الفتاة ولا حول ولا قوة إلا بالله! أحد الشباب أحضر لي بطاقة صغيرة مكتوب عليها: نرجو ممن يطلع على هذه البطاقة مساعدة حاملها أو الاتصال بجمعية العشاق والمحبوبين والمجروحين، وفي القلب الاسم: عاشق محتار، مكان اللقاء: أول وهلة حصلت، وأسئلة سخيفة، بكلام لا يليق ذكره، وعبارات عجباً لشباب يحملونها! وصدق من قال: إن الشباب في هذا الزمان، أو إن بعض الشباب في هذا الزمان حتى لا نظلم البقية إذ فيهم خير عظيم، حتى بعض الذين عندهم بعض المعاصي نظن ببعضهم خيراً كثيراً؛ لأن الكثير من الشباب حتى وإن كان في معصية لكن فيه رجولة، لا يتخنث إلى هذا الحد، لا ينهار برجولته إلى هذا الحد، ولعل رجولته وحياءه وعفته التي انبثقت من صلاته وحرصه على العبادة تقوده إلى استكمال ما نقص من نفسه من السنة أو الاستقامة على ما يرضي الله جل وعلا.

أقول أيها الإخوة: إن بعض الشباب هم حقيقة ذكور وليسوا رجالاً، هم ذكور وليسوا رجالاً، وقد قالتها امرأة في مجمع من اللقاءات أو في مكان لما سئلت امرأةٌ من النساء عن قول الله جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:٣٤] وهي في بلاد ليس للرجل فيها منزلة أو مكانة، فقالت وأجابت جواباً صحيحاً: الله جل وعلا قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} [النساء:٣٤] ولم يقل الذكور قوامون على النساء، لأن الرجولة أمر يتعدى الذكورة، الرجولة وصف كامل بما فيه من الشمم والإباء والحياء والغيرة والخشية والانقياد والاستجابة لأمر الله جل وعلا.

نعود إلى صلب موضوعنا، فهذا يوسف عليه السلام لما دعته وهددته: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:٣٣] هذا من حصل له مثل هذا أو من ابتعد عن موقف كهذا، فهو من الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.