للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقعنا الاقتصادي وماضينا الاقتصادي]

كذلك أيها الأحبة! واقعنا الاقتصادي؛ فيما مضى مشت أمورنا وأمور المسلمين أجمع بدون نظام ربوي أبداً، أما الآن فيا للأسف! يعتقد بعض من يعد من رجال الفكر والعلم أنه لا يمكن أن توجد قوة اقتصادية إلا بقوة نقدية، ولا يمكن أن توجد قوة نقدية إلا بقوة بنكية، ولا يمكن أن توجد بنوك إلا بفوائد.

يهمني أن نعلم أننا نستطيع أن نعيش بدون الفائدة والربا، نستطيع أن نلغي اللعنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩] نحن نتعامل مع كلام الله جل وعلا، الله ينهانا عن الربا ويأتي من يقول: لا يمكن أن توجد قوة اقتصادية إلا بقوة نقدية، ولا قوة نقدية إلا ببنكية، ولا بنوك إلا بفوائد، ما هذا الكلام؟ أن نقول: والله هذا ذنبنا، وهذا خطأ، عندنا بنوك، عندنا فوائد، هذا شيء، لكن أن نقول: لا يمكن أن نعيش إلا بالربا هذا شيء آخر، وأنا لست في مجال مناقشة الوضع الأول، قضية وجود بنوك وفوائد لا أناقشه الآن، لكن أناقش الفكرة التي تريد أن تعمق في رأسي ورأسك أنه لا يمكن أن نعيش إلا بالفائدة والربا، لا وألف لا، نستطيع أن نعيش على نظام اقتصادي إسلامي غني عن الفائدة والربا، فيا معاشر المؤمنين! هاتان نظريتان بين القديم والحديث، عاشت ملايين البشر على مستوى من الثراء والتجارة والغنى، والمنشئات والمشاريع، والحضارة والتمدن والبناء وما عرفت هذا كله.

إذاً: فلنعرف كيف نغزى في عقولنا، إننا قبل أن يحل بنا أو يفعل بنا فعلة يسبقها تمهيد فكري في النظرية، فإذا اعتقدنا بالنظرية الفكرية، عند ذلك سهل التطبيق.

بالنسبة للمستوى العملي كيف كان واقعنا بالأمس وواقعنا اليوم؟ فيما مضى كان الناس قد شغلوا بأمور معاشهم، ومهما اشتغلوا بأمور معاشهم فما كانت الدنيا أكبر همهم ولا مبلغ علمهم، وما كانت تطغيهم عن أمر آخرتهم، بل إن دنياهم كان دعماً ومدداً وعوناً لدينهم ولجهادهم ولإعلاء كلمة ربهم.

أما في زمننا هذا فشغل الناس بالدنيا حتى أصبح الواحد يجمع جمعاً كأنما سيعيش ألف سنة في منطقة نائية عن البشر ليس له محي ولا مغيث إلا رصيده وماله، ولذلك تجد أناساً -سبحان الله العظيم! - يلهث الواحد منهم وراء الدنيا لهثاً، مع أن المسكين يجهل أن رزق الله لا يجلبه حرص حريص ولا طمع طامع، ولا يرده حسد حاسد.

نحن لا نقول: هيا إلى أفغانستان، أو أن نكون خطباء أو معلمين، لا، نقول: نريد كلاً يعمل في أفضل جانب يخدم فيه الإسلام، سواء كنت مهندساً، معلماً، ضابطاً، نجاراً، خبازاً، أياً كانت وظيفتك وعمليتك، أفضل موقع يقربك إلى الله جل وعلا تعمل فيه، ولكن اجعل جزءاً من عملك خدمة لدينك، فمثلاً أنا موظف عندي راتب من أجل ماذا؟ من أجل أذهب عند مؤسسة الراجحي لأشتري فيستفيد وحده؟ لا، حتى أقبض من هذا الراتب وأحرق الشيوعية بنار هذا الراتب، لكن هذا يوم أن يكون الهم في المستوى العملي وأمور المعيشة مرتبطاً بالجهاد وبعقيدة.

أما الآن لا والله همومنا: الذي عنده سيارة ينتظر متى يشترى طراداً، والذي عنده طراد ينتظر متى يشتري شالية، والذي عنده شالية ينتظر متى يشتري قصراً، والذي عند قصر ينتظر متى يفعل فقط: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:٣٢] من الذي حرم زينة الله؟ ما أحد يستطيع يمنعك أن تشتري طراداً وتصيد في البحر وتغوص، ما أحد منعك أن تشتري وتصلح، لكن لا تنس دينك، ولا تنس عقيدتك، ولا يكون جمعك للمال ملهياً لك عن أمر عقيدتك، أنا أسألكم بالله يوم أن يخرج الزاني السكير الشاذ المنحرف الخبيث المعتوه من البار أو الحانة، أو النيت كلوب، أو النادي الليلي، أو أي مكان، ثم يجد صندوق (هلتوريد جروف) ساعدوا الصليب الأحمر، ويخرج ما بقي من الدولارات ويضعها، سكير عربيد ومع ذلك ما نسي أن ينتسب إلى النصرانية التي يجتاح مزيداً من البقاع وتحتاج إلى دعم في التنصير، لكن المسلم لا يمكن أن تجد إلا القليل من المسلمين من يجعل العمل للإسلام هماً يومياً وعملاً يومياً، من هو في بيته صندوق كهذا مثلاً إذا جئت البيت انفض الريالات، الريال الزايد هاه بسم الله تضع الريال، وفي نهاية الشهر أذهب به واجعله كفالة ليتيم ولو لمدة أسبوع، أو قيمة عشر رصاصات، أو قيمة قذيفة، أو قيمة أي شيء مما ينفع المسلمين.

كم عدد المسلمين في العالم، مليار مسلم:

يا ألف مليون أين هم إذا دعت الجراح

النزيف والدم الإسلامي الرخيص الذي جرى على الأرض لم يلتفت له أحد.

يا ألف مليون أين هم إذا دعت الجراح

هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح

من كل ألف واحداً نغزو بهم في كل ساح

هل نجد من كل ألف مسلم مسلماً؟!! العالم الإسلامي مليار، لو أخرجنا من كل ألف واحداً لاستطعنا أن نجد مليون مسلم على قلب واحد، ولكن هذا حتى الآن لم يوجد.

نادت الصليبية بمشروع المائة مليون، فغطي مشروع الصليبية الحاقدة (مشروع المائة مليون) في شهر واحد، فقام أحد الدعاة إلى الله وقال: نريد مائة مليون دولار في ثلاثة أشهر، فمضت ثلاث سنوات لم يجمع مشروع المائة مليون، لماذا؟ لأنك تجد الواحد يسرف على نفسه في اللذائذ والملذات ما الله به عليم، وإذا دعي إلى الدعم وإلى مراد الله وأمر الله ودين الله وجدته بخيلاً {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨].

اعلموا أننا بحاجة إلى الدين، بحاجة إلى الجهاد، بحاجة إلى العزة، وإلا فأمر الله ماض: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد٣٨] {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] فهل نكون منهم يا أحبابي؟ هل نكون وإياكم من القوم الذين أحبهم الله ويحبون الله، أم نكون من الذين أحبوا شهواتهم فنسوا الله فنسيهم الله؟ {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:١٩].