للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الرحيل في القرآن والسنة]

حسراتٌ عند الرحيل لأقوامٍ ضيعوا وفرطوا وأسرفوا، لأقوامٍ منعوا حقوق الله قال الله: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:١٠ - ١١] قال ابن كثير: كل مفرطٍ يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة ولو شيئاً يسيراً ليستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات كان ما كان وأتى ما هو آت، وكل بحسب تفريطه.

وعند رحيل الفاجر يدعو على نفسه بالويل، ويدعو على نفسه حين تحمل جنازته، ويدعو على نفسه حين يتحرك به، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه لصعق) رواه البخاري، ويؤيد ذلك أن الفاجر يندب حظه ويدعو بالويل والثبور على نفسه، فعن أبي هريرة فيما رواه النسائي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره، قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السيئ على سريره، قال: يا ويلي أين يذهبون بي؟ أين يذهبون بي؟) كأن الفاجر والكافر عند رحيله يقول: لم تستعجلون بي؟ وأين تذهبون؟ وأين ستضعونني؟ كأن الفاجر يقول لمغسله: وما أعجلك في الغسل؟ وما أسرع ما انتهيت من هذا التغسيل؟ وما أسرع ما وصلتم وبلغتم المقبرة؟ وما أسرع ما دفنتموني؟ وأما المؤمن فكأنه يقول: لم تتأخرون بالصلاة علي؟ لم تتأخرون في تغسيلي؟ لم تتأخرون في تجهيزي؟ قدموني قدموني، أيها الغاسل! أسرع، أيها الدافن! أسرع، يا من يجهز هذه الجنازة! لا تتأخر؛ لأنه يرى من نعيم الله ما ينتظره المزيد بعد ذلك.

ألا وإن الخوف من الرحيل المخزي، ألا وإن الخوف من سوء الرحيل قد أقض مضاجع الصالحين، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت ما يشهد أن المؤمن إذا حضره الموت، بشر برضوان الله وكرامته، وأن الكافر إذا حضره الموت، بشر بعذاب الله وعقوبته، رواه البخاري ومسلم.