للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية وقوع جريمة قتل الشيخ إحسان وأبعادها]

كان رحمه الله منذ أيام قليلة واقفاً يخطب في مؤتمر إسلامي في مدينة لاهور بـ باكستان، وبينما هو كذلك إذ انفجرت حوله قنبلة قد رتب لتفجيرها أعداء الدين، الذين أحرقهم وكتم أنفاسهم بمصنفاته ومؤلفاته، في فضح أسرار مذاهبهم الباطلة، ومبادئهم المنحرفة، مستدلاً عليهم في ذلك بما كتبوه بأيديهم ورضوه لأنفسهم، وفي لحظة انفجار القنبلة مات عدد ممن كانوا حوله، وأصيب رحمه الله بجراحات بالغة نقل فوراً من مدينة لاهور إلى مدينة الرياض، دار الوفاء للعلماء، ليتلقى عناية مركزة في أحد أكبر مستشفياتها، وما هي إلا ساعات ثم فاضت روحه إلى بارئها، وانتقل إلى جوار ربه شهيداً إن شاء الله، توفي على إثر تلك الإصابة الفادحة، فصلي عليه بالجامع الكبير، ودفن في المدينة المنورة رحمه الله رحمة واسعة.

أيها الإخوة في الله: إن وقوع هذه الحادثة بهذه الطريقة الإجرامية القذرة ليدلنا إلى أي مدى بلغ الأمر بأعداء الدين؟! إلى أي مدى بلغ الأمر بأعداء الإسلام؟! ولو انتسبوا إلى ملل الإسلام وطوائفه، ليدلنا إلى أي مدى بلغ الأمر بهم في التخطيط والعمل بشتى أساليبهم الخداعة والبرّاقة.

والوحشية والإجرامية بما يخدم مصالحهم، ويضمن التوسع لقاعدة أتباعهم، ويوقف زحف الدعاة الذين يفضحونهم، ويكشفون للناس حقيقة باطلهم، حتى لو وصل الأمر إلى التصفية الجسدية بالقتل أو التفجير.

ثم إن هذه الحادثة كانت دليلاً على قصد أكبر عدد ممكن من العلماء الحضور في ذلك الوقت، إذ لو كان المقصود الشيخ/ إحسان إلهي ظهير وحده لاكتفى أعداؤه بإطلاق الرصاص عليه وحده دون غيره، لكنهم لم يرضوا إلا بتفجير قنبلة في ذلك المكان ليقتلوا أكبر عدد ممكن.

أيها الأحباب في الله: أمام هذه الحادثة التي يدرك كل ذي قلب ولب أن أعداء الدين لا زالوا يعملون ويدبرون، ويخططون، ويغتالون ويقتلون، في سبيل نشر باطلهم، وأمام هذا كله ماذا قدمنا لديننا؟ ماذا قدمنا لإسلامنا؟ أنتم معاشر المسلمين أكثر سكان العالم اليوم، أين عملكم؟ أين بذلكم؟ أين تضحياتكم في سبيل رفعة الدين ونصرة العقيدة؟ لقد تجاوز تعداد المسلمين ألف مليون، فأين هم؟ أرأيتم يا عباد الله!

أرأيت كيف يكاد لـ لإسلام في وضح الصباح

أرأيت أقصانا وما هدم العدو وما استباح

أرأيت كيف بغى اليهو د وكيف أحسنا الصياح

الكفر جمع شمله فـ ـلم النزاع والانفطاح

يا ألف مليون وأين هـ ـم إذا دعت الجراح

هاتوا من المليار مليـ ـوناً صحاحاً من صحاح

من كل ألف واحداً يـ ـغزا بهم في كل ساح

أين المسلمون أمام هذه الحادثة؟ أيها الأحباب في الله: وأمام هذه المصيبة التي يدرك كل مسلم أنهم لا زالوا يعملون ويدبرون، وأن المسلمين في غفلة، وفي نوم عميق، وفي غطيط وسبات، وفي ملهاة بهذه الدنيا بين الزوجات والأموال والأولاد، إذا كان النصارى وأبناء النصارى لا يملون التبرع والدعم لمؤسسات التبشير، ينذرون جزءاً من أموالهم وأوقاتهم لذلك، إذا تخرج الطبيب منهم أو الطبيبة نذر نفسه سنة أو سنوات لأي مؤسسة تبشيرية لخدمة النصرانية، ونشرها في أوساط المجتمعات الفقيرة والمريضة، وإذا كانت التركات وأموال الأثرياء الذين لا يخلفون وراءهم من يرثهم توضع لصالح ميزانية الفاتيكان لدعم التبشير والنصرانية، وجهودهم نشطة ومستمرة وواضحة في جميع دول العالم أجمع، عدا المملكة العربية السعودية، ولو وجدوا متنفساً لما ترددوا في ذلك، فأين تضحياتنا وأين عملنا لديننا؟ إن بعض المسلمين يمن ويستكثر أن يحافظ على الصلوات الخمس مقتصراً عليها وعلى الأركان الخمسة المعلومة من الدين بالضرورة، وأما بعض المسلمين ففي غفلة حتى عن الصلاة وعن أركان الإسلام، ويظن بعضهم أن واجبه أن يقف عند هذا الحد من العمل، جاهلاً أو متجاهلاً أن من تمام العمل والعبادة دعوة الناس ومجاهدتهم في سبيل إقامة الدين.

ألسنا ندرك ونعقل قول الله جل وعلا: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:١ - ٢]؟ إن البشرية في خسر إن بني الإنسان لفي نقص وخسارة: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] ومن هذه السورة القصيرة التي يقول الشافعي فيها: "لو لم ينزل على الناس إلا سورة العصر لكفتهم"، من هذه السورة ندرك خسارة البشرية، إلا من آمن وعمل صالحاً ودعا إلى الله وهو معنى التواصي بالحق، والصبر على ما يناله في سبيل الدعوة إلى الله وهو معنى التواصي بالصبر.

معاشر المسلمين: يوماً بعد آخر، وسنة بعد أخرى ونحن نرى مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمته: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا.

أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، ولينزعن الله مهابتكم من صدور أعدائكم) لقد نزعت هذه المهابة حتى تجرأ أعداء الإسلام أن يمدوا أيديهم بالقتل والاغتيال والتفجير على علماء المسلمين.

إن علماء المسلمين في محنة إن علماء الدين في محنة، اللهم انصرهم بنصرك يا رب العالمين.

معاشر المسلمين: لا تكادون تجدون دولة ينصر فيها العلماء ويحترمون ويسمع لقولهم سوى هذه البلاد، ودول الخليج والجزيرة، وأما ما سواها فهم يلاقون المضايقة يلاقون الطرد من بلادهم يلاقون الإبعاد عن أوطانهم، وعن زوجاتهم وأبنائهم، إن الآلاف منهم يعيشون مشردين في دول الغرب، وفي دول الكفار، يقولون: رحمة الكفار بنا أهون علينا من العودة إلى تلك البلاد التي نجد فيها ظلماً غاشماً، وطاغوتية وجبروتية.

اللهم أعز علماء الإسلام وانصرهم بنصرك، واحفظهم بعنايتك، وأدم تمكينك لهذه الأمة، وولاة أمورها، لتبقى مكاناً ومأوى لعلماء الدين والإسلام.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.