للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة الكافرون أصل في البراءة من الكافرين]

ظل الأنبياء يضربون بمطارق النبوة هامات الخرافة والذلة لغير الله، ويلهبون بسياط التجرد الخالص لله كل من عاداهم، أو أراد أن يذوب هذه المسألة، لقد حاولت قريش عبر المفاوضات الدبلوماسية الطويلة، وقدمت العروض من أجل أن تنال شيئاً يفت في قضية الولاء والبراء قالوا: يا محمد! اعبد ربنا سنة ونعبد ربك سنة، فماذا كان منه صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله عز وجل عليه قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:١ - ٦].

فقضية الولاء وقضية البراء وقضية الفيصل الفارق الواضح البارز الجلي بين الحق والباطل، بين الإسلام والجاهلية؛ لابد أن يكون واضحاً بيناً لا يلتبس على أحد أبداً، لقد حاولوا كل شيء، حتى عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم الملك والرئاسة والجاه والسؤدد بعد أن عرضوا الأموال والنساء، وكل ما استطاعوا أن يبذلوه، فلما عرضوا عليه الملك والرئاسة، قد يقول قائل: لماذا لا يجاملهم فترةً حتى يكون صلى الله عليه وسلم رئيساً زعيماً وملكاً على قريش، ومن ثم بمقتضى السلطة ومقتضى قوة الرئاسة والزعامة يستطيع أن يأمر وينهى فيهم؟ حتى هذا الأمر لم يقبله صلى الله عليه وسلم، بل قال كما جاء في السيرة: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أن تندق هذه السالفة) أي: فالمسألة لا تحتاج إلى تفاوض، أو هدنة، أو تأجيل، أو مراحل، نجامل الكفار هذه السنة ثم بعد ذلك نفاصلهم أو نعلن البراء منهم، لا.

مسألة البراء لابد أن تكون جلية واضحة، لا يقبل فيها أي عروض، أو أي مفاوضات تماماً.

ونبينا صلى الله عليه وسلم اعتنى غاية العناية بهذه المسألة، بل لقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود في سننه: (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، ألا لا تراءى ناراهم) وهذا الحديث يحسنه بعض أهل العلم، وهو في الحقيقة حجة على كل مسلم ظل يعيش في بلاد الغرب بلاد الكفر دون حاجة أو مصلحة أو ضرورة على تفصيلات سوف يأتي بيانها.

أيها الأحبة: إن كون كثير من الناس اليوم أصبحوا بسبب التضليل الإعلامي لا يعطون قضية الولاء والبراء نصيبها من الإدراك والتأمل، وحظها من السلوك والمعاملة، فإن هذا لا يعني أن القضية أصبحت ميتة، إن الذهب يبقى ذهباً وإن لم يحصل عليه الفقراء، وإن الشهد يبقى شهداً وإن لم يستطع المرضى أن يتناولوه، فقضية الولاء والبراء قضية مهمة حتى وإن جهلها من جهلها، أو غفل عنها من غفل عنها، وحسبنا أن كلمة (لا إله إلا الله) التي نرددها في ذكرنا وعباداتنا وصلاتنا هي في الحقيقة مشتملة على الولاء والبراء، ومن لوازمها مسألة الولاء والبراء، والتطبيق العملي الواقعي لكلمة التوحيد لا يتحقق إلا بالولاء والبراء، وحسبنا أن نعلم أن كتاب الله عز وجل قد امتلأ بهذه المسألة، وعلى سبيل المثال من هذه الآيات: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة:٢٣].

وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١] فمسألة الولاء قد امتلأت بها آيات القرآن، ولا نظن أنها مسألة نادرة، أو جزئية، أو مسألة شكلية، وإذا تأملنا أنها تناولت البراء من الكفار عامة، وحتى لا يبقى في ذهن أحدٍ أدنى شبهة من أن من كان قريباً أو نسيباً أو تربطنا به صلة رحم أن مسألة البراء يستثنى هو منها، بل جاءت الآية: {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ} [التوبة:٢٣].