ومن الصور المخزية للرحيل المخزي صورٌ لا تحصر ولا تنتهي، من شبابٍ رحلوا إلى الخارج، لأجل ماذا؟ ألكعبةٍ يطوفون بها؟ أم لمسجد رسول الله فيصلوا فيه، ليجدوا أجر ألف صلاة؟ لا والله، سافروا إلى الخارج فعاقروا الخنا ووقعوا في الزنا فعادوا محمولين بالتوابيت، عادوا محمولين موتى، كان آخر عهدهم من الدنيا أن شهدت عليهم جوارحهم بالزنا والمعصية والفاحشة، وكأني بجوارحهم تقول:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:٢٢]{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس:٦٥].
صور عديدة ممن يموتون وقد أعدوا للرحيل عدة يغلون بها في القبور، ويحاسبون عليها، ويقفون بها طويلاً يوم الحشر والنشور، أموالٌ ربوية، أرصدة ربوية، معاملات ربوية، معاملات محرمة، كثيرٌ استعد للرحيل، ولكن بهذه الأموال المحرمة، وآخرون استعدوا للرحيل ولكن بالتجارة المحرمة، وآخرون استعدوا للرحيل ولكن جمعوا في بيوتهم من أشرطة الملاهي، وأشرطة المعازف، والصور الخليعة والأفلام الماجنة، ما لو ماتوا في حينها وهي عندهم، لكان أعظم الخزي والعار، أن يلقوا الله عز وجل وتلك في بيوتهم، أيأمن الواحد على نفسه أن يموت ميتةً ثم ينبش متاعه، ويحرز ما خلفه، ويفتش وينقب عما في بيته، فإذا به يموت وقد ترك تركةً فيها مائة شريط من الغناء، ومائة شريط من أفلام الفيديو، ومائة مجلة من المجلات الخليعة، وله كذا وكذا من أسهم البنوك الربوية، وله كذا وكذا من الحرام، سبحان الله! أين الاستعداد؟ وأين الإعداد لهذا الرحيل؟ نداءٌ قبل الرحيل إلى كل من أكل الربا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه).
نداءٌ قبل الرحيل إلى كل من أكل الربا، فإن الله يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}[البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩].
نداءٌ قبل الرحيل إلى الشباب الذين غرهم ترف الثياب، وغرهم المأكل والمشرب، وغرهم أنهم يصبحون ويمسون في لهوٍ وغفلة، وفي أمنٍ وعافية، نداءٌ لهم: يا معاشر الشباب! عودوا إلى الله لتكونوا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه) حتى نكون -أيها الشباب- ممن ينشئون في ظل الدعوة، وفي ظل الإيمان، وفي ظل القرآن، وفي ظل الإحسان.
نداءٌ قبل الرحيل أن نستعد قبل أن نموت، أن نستعد قبل أن نغسل ونكفن ونحمل.
اللهم اجعلنا ممن يستعدون للرحيل على أحسن حال، اللهم اجعل يوم موتنا وساعة قبض أرواحنا أجل عبادة ترضيك، أنفس عمل يرضيك عنا يا رب العالمين.
اللهم ثبتنا على طاعتك ولا تخزنا بمعصيتك، اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم تجاوز عنا واستر ذنوبنا وعيوبنا، واغفر اللهم زللنا وإسرافنا وحوبنا.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.