للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غفلة الناس عن المواعظ]

الحمد لله القائل عن أهل الغفلة: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩] وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الأحبة في الله! الحديث عن الغفلة وواقعنا في الغفلة، وحينما نتحدث عن الغفلة لا نخاطب أقواماً خارج المساجد فقط، أو بعيدين عن حلق الذكر ورياض الجنة، بل نخاطب أنفسنا الغافلة، وعقولنا التي تشتت بها أمور الدنيا وذهبت بها كل مذهب، لعلنا أن نعالج أنفسنا قبل أن نعالج غيرنا، ولعلنا أن نعظ أنفسنا قبل أن نعظ غيرنا، فحاجة القلوب إلى المواعظ والزواجر كحاجة النبات إلى الماء إذا انقطع عنه الماء مات.

أيها الأحبة! إن طائفة من إخواننا المسلمين لا يجعلون لتعهد إيمانهم ومراقبة حياة قلوبهم وقفات أو جلسات كما يجعلون الأوقات الطوال لأمور معيشتهم ودنياهم، وكثير منهم يحبون الحديث عن الرجاء والرحمة والمغفرة والجنة فقط، أما الحديث عن الغفلة والخوف والنار وسوء الخاتمة وعاقبة الذنوب والموت والقيامة وأهوال الحشر فلا ترى الكثيرين يحبون الحديث عن ذلك.

بل لقد سمعنا هذا مراراً من أقوام إذا ذكروا بالله عز وجل وخوفوا بعذابه وعقابه، وخوطبوا بالتذكر والتدبر لآيات الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي فيه الاستعداد قبل الممات، والاستدراك قبل الفوات قالوا: هذا شيخ متشائم! وهذا شيخ عباراته قاتمة! وليس عنده عبارة فيها بشارة أو تفاؤل! لا يحدثنا إلا عن الموت، عن الصراط، عن القبر وعذابه، عن الحشر وأهواله، عن سوء الخاتمة، عن خطر الحرام ماذا تشتهون من المواعظ؟ يقولون: حدثنا عن الرحمة الواسعة، حدثنا عن المغفرة الشاملة، حدثنا عن الجنة، حدثنا عن الوعد ولا تحدثنا عن الوعيد.

وذلك أمر خطير إذ الحق والشرع والدين أن يتحدث عن ذاك وذاك، عن الخوف والرجاء، والمغفرة والعقوبة، وعن الجنة والنار.