للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من شب على شيء شاب عليه]

أيها الأحبة! إنك لترى في الحياة رجالاً تخطوا عتبة الشباب، وقاربوا الشيخوخة أو بلغوها تراهم يعلنون الحسرة والندامة أنهم لم يأخذوا حذرهم، يأسفون أنهم فرطوا في حق أجسامهم فلم يرعوها حق رعايتها، فجنوا في ذلك علةً من الشبهة ومن الشهوة ومن الغفلة استحكمت في نفوسهم، حتى إن بعض الكبار قد بلغ الأربعين والخمسين ولا يزال يهجر الصلاة ولا يصلي! ولو كان في شبابه مصلياً ما تركها في شيخوخته، ولكنه شب على ما نشأ عليه وبات كهلاً وشاخ عمره فيما شب عليه وشاب في ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تصوروا أناساً يبلغون الستين إلى الآن يشربون الخمر شرب مجانين، ولا يشهدون الصلاة، وبعضهم يقول: يكفيني صلاة الجمعة، يا أخي بلغت الستين وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين، وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) وعند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أعذر الله إلى امرئٍ بلغه الستين من عمره) يعني: من بلغ ثلاثين فقد بلغ الورقة الأخيرة من نصف العمر، فماذا قدمت في النصف الأخير.

إن من شب على الطاعة شاب عليها، ولذلك تجد بعض الشيبان يقول: للأسف أن هذه أصبحت قليلة، قديماً كنا نرى هذا والآن أصبح أمراً قليلاً أن تجد في المسجد شايب ينتظر من العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء (انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) هذا الشايب يكيف في المسجد إذا دخل المسجد كأنه سمكة في ماء لا يريد أن يخرج منه، لأنه شب على الطاعة وشب على حب الصلاة (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ أنفق نفقةً فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه الخ).

أيها الأحبة! لو أن شبابنا تعلقوا بالمساجد ليكبروا بإذن الله متعلقين ببيوت الله متعلقين بالرباط، لكن تعودت كثير من نفوس الشباب الغفلة عن الجماعة، أصبح الواحد يكبر ويكبر ويكبر وما يزال في أنفة وفي ضيق من دخول المسجد، والله إني لا أحصى عدد الرسائل والمكالمات الهاتفية من فتيات متزوجات كل واحدةٍ تقول: هل يجوز أن أطلب الطلاق من زوجي، والأخرى تقول: ماذا أفعل وقد بليت بزوجٍ ولي منه أولاد، والثالثة تقول: قد أصبت بحسرة وملل وكآبة في معيشة كلهن يشكين شباباً ورجالاً لا يشهدون الصلاة أبداً ولا حول ولا قوة إلا بالله، لو شبوا على الصلاة، لو تعلقت قلوبهم على المساجد، لو كثرت خطاهم إلى المساجد وتعودوا الرباط لوجدوا خيراً عظيماً ولكن -ولا حول ولا قوة إلا بالله- شبوا على الغفلة، ومر الليل والنهار والشهر والشهران والسنة والسنتان وتتالت الأعوام وهم على هذه الغفلة، فلما شاب القذال، واحدودب الظهر وذبل الجنبان وتغير وتجعد الوجه يريدون أن يتجهوا إلى المساجد لا، سوف تردهم شهواتهم ونفوسهم وأهواؤهم، ويغلبهم شيطانهم {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:٧٠].