للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إخواننا في فلسطين وحالهم أمام اليهود]

عباد الله: لقد تسلطت هذه الأمة الملعونة على إخواننا في فلسطين، فدفنوا مجموعة من الشباب أحياء، قادوهم إلى مكان وأخذت الرافعة تحفر قبورهم أمامهم، حتى إذا تغوروا في عمق الأرض كتفوا أيديهم إلى ظهورهم وأرجلهم مربوطة، الساق مربوط بالساق، ثم قذفوا بالواحد تلو الآخر، ثم أهالوا التراب عليه وهو حي، يصيح بملء فيه: وا إسلاماه! وا إسلاماه! وا إسلاماه! ولكن المسلمين في غفلة، وفي دعة، وفي لهو، وفي بعد عن التفكر والتذكر لما يفعل ويدبر بإخوانهم المسلمين.

يا راكعين وراء البحر في دعةٍ لهم بأوطانهم عزٌ وسلطان

أعندكم نبأٌ عن أمر إخوتنا فقد سرى بحديث القوم ركبان

لقد سرى بهذا الحديث ركبان الإذاعات، لقد سرى بهذا الحديث جميع وكالات النشر، ولكن:

رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

إن صيحات الدعاء بالإغاثة، وطلب النجدة لترتفع مدوية إلى السماء، لكنها ما خالطت قلوباً حية وملتهبة، ومشاعر وأحاسيس تهتم بشئون المسلمين، لقد سمعنا ورأينا بأعيننا في الشاشات وعبر التلفاز ماذا يفعل بهؤلاء الضعفاء، كيف تجر المرأة وتسحب سحب الشاة على وجهها، أيكرمونها إذا سحبوها؟ حاشا وكلا، بل والله أول ما يبدءون بكرامتها وعصمتها، فيهتكون حياءها، ويتجرءون عليها.

وأما إذاعة أورشليم القدس الذي يظهر صوتها أحياناً، فإنك تسمع منها عجباً عجاباً، تسمع كذباً وبهتاناً وزوراً، يدعون أنهم يعاملون هذه الانتفاضة معاملة الشباب الذي يحتاج إلى رقة وعناية بمشاعره المتهورة في مراحل المراهقة، وخابوا وخسروا مادام ذلك قولهم في الله وفي رسل الله، وهذا فعلهم رأيناه بأعيننا في عباد الله وإخواننا المسلمين، فكيف يصدق لهم شأن؟! والعجب العجاب يا عباد الله! أن ترى قائدة الإلحاد في هذه المعمورة، دولة الشيوعية العظمى تشجب أو تندد بما يفعله اليهود بالعزل في فلسطين، أفلا ينظرون ما فعلوا بالعزل في أفغانستان؟ أفلا نظروا إلى ما فعلوه بالأطفال والنساء والأرامل والشيوخ؟ أفلا ينظرون إلى ما أحدثوه من التقتيل والتخريب والتدمير؟ عجباً يا عباد الله! إن المسلمين في فتنة، وفي محنة، نسأل الله أن يرفع عنهم الكرب وأن يرفع عنهم المصيبة.

إن هذه الأمة الخسيسة الملعونة التي لعنت على لسان الأنبياء والرسل ما فتئت تفعل الأعاجيب تعذيباً وتشويهاً وتقتيلاً بإخوانكم في أرض فلسطين، وما هو هذا والله جزاء جنس المعاملة، لقد دخل الملك المظفر والقائد الناصر إلى أرض المقدس، فظن اليهود أنه سيحصد رقابهم، وأنه سيقتلهم، فأمَّن من كان على مكانه، ومن أراد الخروج خرج، فأنشد شاعر الموقف قوله:

حكمنا فكان العدل منا سجيةً فلما حكمتم سال بالدم أبطح

ولا عجب ذاك التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح

إن أمة الكفر والضلالة، إن أعداء الربوبية والألوهية، إن أعداء الأنبياء والرسل، وأعداء الإنسانية والبشرية لم يوقروا ولم يرحموا، ولقد نضحوا بما تحمله قلوبهم حقداً وزوراً، وأي حقد أعظم يوم أن دخلوا بيت المقدس، فقال ذلك الأعور موشي ديان: "محمد مات وخلف بنات" وقالوا بلهجتهم: "حطوا المشمش على التفاح دين محمد ولى وراح".

وقائدهم لما تعمق في أرض الجولان، ووصل إلى مكان أو هضبة فيها قبر صلاح الدين من جهة الأراضي الشامية، وقف على القبر وركله بقدمه ركلة وثانية وثالثة، وقال: قم يا صلاح الدين ها نحن قد عدنا، وقالوا لما دخلوا: يا لثارات خيبر! فهل تسمع الانتفاضة هذه العقيدة الخبيثة الشرسة الوحشية التي يتعلقون ويتمسكون بها، لكي نتمسك بعقيدتنا، ونقاتلهم بعقيدتنا، ونحرر أرضنا وليست أرضهم، ونطردهم من أرضنا بعقيدتنا وسلاح التوحيد والوحدانية والعبودية؟ هذا ما نرجوه، وهذا ما نوجهه، وتوجهه كل جهة إسلامية صادقة، وكل فرد مسلم مخلص، وكل دولة إسلامية ناصحة، توجهه لأصحاب هذه الانتفاضة والقائمين عليها، بأن يعلنوا الجهاد، وأن يعلنوا كلمة التوحيد.

أن يرفعوا راية الإيمان في هذه الانتفاضة، وأن يسموها جهاداً لا هوادة فيه، لا يوضع السيف منه حتى النصر، أو أن يهلك آخر رضيع على ثدي أمه في هذه المعركة الحاسمة، وما يدريكم أنها هي المعركة الحاسمة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان- وهل نحن إلا في آخر الزمان-: (في آخر الزمان تقاتلون اليهود فينصركم الله عليهم، حتى لا يبقى شجر ولا حجر، إلا يقول: يا مسلم! ورائي يهودي تعال فاقتله).

كيف ينطق الحجر والشجر؟ لا يكون ذلك إلا لأمة جديرة بأن تخرق لها العادة، وأن تتنزل عليها المعجزة، وأن يكرمها الله بكرامته، كرامة الإيمان والعبودية والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وتذكروا أولاً وأخيراً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).

فإن أمة التوحيد أمة الإسلام الصادقة منصورة بالرعب، والله لو كبرت آلاف من أصحاب هذه الانتفاضة وشبابها ورجالها تكبيرة، واجتمعوا على قلب واحد، لسقط سلاح اليهود من أيديهم خوفاً ورعباً.

نسأل الله جل وعلا أن يرفع المحنة عن إخواننا في فلسطين، وأن يرحم المستضعفين، وأن ينصر المجاهدين، وأن يثبتهم أجمعين، وأن يجمعهم على الحق المبين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.