للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة المظاهرات في الشارع الإسلامي]

وأما ما يسمى بالشارع الإسلامي، مظاهرة في الجزائر تندد بالقوات الأجنبية، وتدعو إلى التضامن مع المجاهد الأكبر صدام حسين عبد الله المؤمن.

أنا لا أدري من أين دخل الجهاد في هذا الرجل؟ دخل الجهاد من أربعة وستين ألف حانة من حانات الخمور في أنحاء العراق! دخل الجهاد من قتل الشيخ عبد العزيز البدري بعد أن أفتى بقوله في الاشتراكية، وقطع إرباً، ووضع في كيس، وسلم لأهله، فقام أخوه أمام الناس وأخرج أشلاء أخيه يقول: انظروا ماذا فعل؟ خرج الجهاد من قتل الشباب عندما جمعوا تبرعات لـ أفغانستان في العراق! خرج الجهاد من الأضرحة التي تعبد من دون الله جل وعلا، ومن تحكيم القوانين الوضعية.

خرج الجهاد من الجهل بالدين والبدع المنتشرة، من أين يخرج الجهاد؟ يخرج الجهاد من عقول السذج والغوغاء والبسطاء، الذين تنطلي عليهم هذه الحيل، ولذلك يقول الله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ:٤٦].

لأن الجماهير والجموع تردد، الآن أربعة منكم لو أخذناهم يمشون في مسيرة، وأخذت المسيرة تردد شعار، ستجد نفسك بعد لحظات تسخن ثم تصبح مثل أسكود، تنطلق معهم وتردد ما لا تشعر، وكما يقول خبراء علم النفس، قالوا: المظاهرات تبدأ أولاً بمطالبة، أي: مظاهرات العمال مثلاً في أي دولة من الدول الغربية تبدأ بزيادة الأجور، نريد زياد أجور عمال المناجم ومحطات البنزين، مارك أو دولار أو جنيه كل شهر، ثم تسخن المظاهرة بعد قليل، نريد رفع الظلم والاستبداد ضد الطبقة الكادحة، يبدأ الشعار يسخن، نريد إسقاط الحكومة، ويبدءون يرددون، نريد أن نتوجه إلى مقر الرئاسة، ثم يقتحمون هذا المقر ويحصل الشغب.

يا إخوان! حينما يعود بعضهم إلى بيته، يقول: عجيب نحن خرجنا بتنظيم من نقابة العمال، على أننا نطالب بزيادة مارك شهرياً، ما هو الذي جعلنا نطالب بإسقاط الحكومة؟ دل ذلك على أن أسلوب الغوغاء والتجمعات والبسطاء هؤلاء، يجعل الإنسان يدخل في نظام دون أن يشعر، ويردد ما لا يفقه ولا يدري، وهذا أمر ملاحظ ومجرب، وعلى حد قول ابن الجوزي: مر أحدهم برجل واقف مع أناس يضربون رجلاً، فقال له: لماذا تضربونه؟ قال: والله لا أدري وجدتهم يضربون، فخلعت نعلي أضربه حسبة لله، فالعمل مع الجماهير بهذه الطريقة الغوغائية يجعل الإنسان يفعل ما لا يفقه، ويردد ما لا يدري.

فنقول أيها الأحبة: إن ما يسمى بمظاهرات الشارع الإسلامي في هذه القضية، ليست عبرة أو حجة، ومن المؤسف أن بعض الدول حتى من فيها ممن ينتسبون إلى العمل الإسلامي والجماعات الإسلامية، ولا نقول هذا الكلام عداوة للجماعات الإسلامية، ولكن لبيان خطورة ما تمر به الأمة من الأزمة المعاصرة، أنهم دعوا إلى المناظرة العلنية على الملأ ورفضوا.

بعض قيادات الجماعات الإسلامية قيل لهم: تعالوا، أنتم تؤيدون صدام حسين، أم تقولون: لماذا يضرب العراق؟

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم

لا شك سيكون فيها ضحايا، ولكن من أجل ألا يجرح من في العراق، ترضى الأمة بتشريد الكويتيين ونرضى نحن بحشد الحدود علينا والدخول إلى أراضينا، لا والله.

والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلام

هذه مسألة، إذاً الذين يطنطنون وراء هذه المسألة، قد دعوا إلى المناظرة الشرعية أمام الجماهير في وسائل الإعلام، وعدد ممن يتبنون القول بالوقوف مع طاغية العراق صدام حسين رفضوا المناظرة الشرعية، إذاً ماذا تريدون؟ عدد من العلماء ذهبوا إلى بغداد، ولما وصلوا إذا بالمهيب الركن يخرج على التلفاز، ويؤكد أن الكويت الولاية رقم تسع عشرة من ولايات العراق، ولما جاء العلماء لمقابلته، قال: أهلاً وسهلاً بكم في كل ما تريدون إلا الكويت، فهي ولاية من ولايات العراق لا يمكن التفاوض عليها.

وهل بعد هذا بلاء؟ وهل بعد هذه مصيبة؟ هذه أيضاً من أخطر المسائل التي فتنت بها الأمة في هذه الأزمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كذلك الذين يقولون ويطنطنون خاصة في إذاعة عمَّان.