للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبل تثبيت العقيدة في القلوب]

يقول العلماء: إن العقائد تصل إلى القلوب بثلاث سبل: فأولها -المسلك الأول الذي تثبت به العقائد-: المسلك الحسي، فأنت حينما ترى بعينك عموداً تعتقد أن الذي رأيته عمود، وحينما تلمس بيدك جداراً -لو كنت كفيفاً مثلاً- فإنك تعتقد بواسطة هذه الحاسة أن هذا الشيء الذي لمسته جدار، فبمجرد هذه الحاسة التي ركبها الله جل وعلا فيك فإنك تعتقد جملة من الأشياء.

وكذلك فإننا نعتقد جملة من الأمور بواسطة الاستنتاج العقلي، يعني: إما أن نعتقد بواسطة الحواس وإما أن نعتقد بواسطة الاستنتاج، كيف الاستنتاج؟ كما في قول الله جل وعلا: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥] هل يعقل أن عدماً خلقنا؟ لا يعقل أبداً؛ إذاً: يقودنا هذا إلى استنتاج أن الذي خلقنا خالق قادر حكيم قاهر مدبر حليم عليم.

والمسلك الثالث من المسالك التي تثبت بها العقائد: هو مسلك الخبر الصادق، فإذا جاءنا خبر عن ثقة أو خبر صادق أو خبر استفاض واشتهر فإننا بموجب هذا الخبر نعتقد الأمر، مثال ذلك: لو حدثكم رجل عن أفغانستان، ولعل بعضكم لم يذهب إلى أفغانستان، ثم أفاض الكلام عن أفغانستان وأحوال أفغانستان ومجاهدي أفغانستان وأيتام أفغانستان وأيامى وثكالى وجراحات أفغانستان، فإن كل واحد منكم يعتقد اعتقاد اليقين أن هناك بلاداً اسمها أفغانستان وإن لم يرها، وذلك بناءً على الخبر الصادق الذي أخبر به، ويعتقد أن هناك في أفغانستان جهاداً في سبيل الله، كيف اعتقد وهو لم يجاهد معهم ولم يقف ولم ير الجهاد معهم ولم يشاركهم؟ إنه اعتقد أن الجهاد قائم في أفغانستان بناءً على الخبر الصادق؛ لذا فإن الخبر الصادق واحد من السبل والمسالك التي تثبت بها العقائد.

حتى لا نتهاون بشأن الأخبار، وحتى نأخذ الأمور بمهماتها وبلوازمها من العبر والفوائد والتطبيق، والله جل وعلا يقول في كتابه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:٣] ويقول سبحانه: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} [الأعراف:١٧٦] {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:١٦٤] فالله جل وعلا جعل القصص في القرآن فيها عبرة وفيها عظة وفيها ذكرى وفيها تربية، وفيها أنس للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من صحابته ومن بعده من أمته المؤمنين الموحدين.

فإذا كنا نتكلم -كما قلت لكم- عن القصص وما يتعلق بها فلسنا ننسج من خيال أو نسبح في خيال ثم بعد ذلك نرتب مشهداً على مشهد أو فصلاً على فصل، وإنما نخبركم بأقدار الله في عباده، ونخبركم بما قدر الله جل وعلا على أمم أو بشر أو أفراد أو مجتمع من المجتمعات، وعند ذلك يكون الأمر فيها عبرة {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧].

ثم اعلموا -أيها الأحبة- أن القصة عديمة الفائدة إلا إذا أخذنا منها العظة والدرس، القصة لا جدوى منها إلا إذا عرفنا أن نستنبط الدروس والمواعظ والزواجر والأمور النافعة من فصولها ومقاطعها، ولقد كان بوسعي أن أحدثكم كما أضمرت في نفسي حديثاً غير هذا، إلا أني وجدت أن الأحباب قد اختاروا هذا العنوان "قصص وعبر" وإن كنت من المقلين في شأن القصص ولكن أخبركم بما وقفت عليه بنفسي، أو بما أخبرني به من كان متصل السند بالحادثة.