للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسئولية الإنسان عن سمعه]

ولا تسل عما أشغلنا به الأسماع من أخبار لا تهمنا، وأمور لا نقدم فيها كثيراً، وأعجب من هذا! أولئك الذين يشترون الفساد ويجرونه إلى بيوتهم عبر ما يسمى بأجهزة الاستقبال والبث المباشر، أو ما يسمونه بالدش، وإذا سألت أحدهم وهو مسئول عن ذريته ورعيته في بيته، ومسئول عن نفسه: ماذا يصنع وماذا يبصر؟ يقول: إني أسمع الأخبار.

وأي أخبار تقدم فيها أو تؤخر يا مسكين؟ هأنت قد سمعت أن المسلمين ذبحوا في طاجكستان وقتلوا وشردوا، فماذا فعلت يا صاحب الأخبار؟ وهأنت علمت أن فيدير راموس حاكم الفليبين حشر على المسلمين في منديناو خمسين ألف جندي صليبي لحرب إبادة، نسأل الله أن يكفي المسلمين شرها، وهأنت تعلم ماذا حل بإخوانك في فلسطين، وهأنت تعلم ما يدور في أفغانستان، وهأنت تعلم ما يدور في إريتريا وفي مورو وفي البوسنة والهرسك وفي الأنجوش وفي مواطن كثيرة، فماذا قدمت يا صاحب الأخبار؟ قدمت مزيداً من الأوزار تتحملها بعلم تعلمه.

ولا يقابل العلم تحمل مسئولية أولئك الذين أهملوا مسئولية الأسماع، وأشغلوها بغير المقصود، فأعرضت عن المقصود، والله جل وعلا قد حذرنا من أن نهمل وسائل العلم والمعرفة، أو أن نشغلها في أمر لا يليق، وبين في كتابه أن طائفة اعترفت بأنها تصطلي بالنار؛ لأنها ضيعت أسماعها وأبصارها، ولم تتحمل مسئولية السمع والبصر: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠].

إنهم يعقلون ولكن يعقلون حجج الباطل، ويعقلون ما يدحضون به الحق وما هم بقادرين عليه، ويسمعون الأقاويل في الدعوة والدعاة والحق والهدى والنور المبين، ومع هذا كله {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} [الملك:١٠ - ١١] فعد إهمالهم لأسماعهم وأبصارهم ذنباً {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١١].

وأعود أيضاً إلى موضوع إهمال مسئولية الإنسان لسمعه (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيراً أو ليصمت) (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} [المجادلة:٩] لا يتناجى اثنان دون الثالث: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً} [المجادلة:١٠] {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:١١٤].

أحاديث المجالس التي اشتغل الناس فيها بالقيل والقال، وأكثر ما يكون من القيل والقال ربما وجده في صحيفة سيئاته، وكما في مسند الإمام أحمد وعند البزار وأبي نعيم قال صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبدٍ وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً) هذا هو الذي ينفعك.

وأما إهمال مسئولية السمع واللسان والبصر وتضييعها وإطلاقها ومتابعة ما قيل وقال، وكان أو يكون، وروي وزعم وذُكر وحُدث، وروى لنا من نثق به، وإذا فتشت عن ثقة، فلا ثقة؛ تلك والله مصيبة إلا ما كان في خير, إلا ما كان في ذكر، إلا ما كان في دعوة، إلا ما كان في أمرٍ بمعروف ونهي عن منكر، أو مكافحة بدعة أو أمر بحق يرضي الله جل وعلا.

أيها الأحبة! الكلام عن المسئولية لا نريد أن نشطح به لنحاسب كل مسئول عما تحته من إدارة أو وزارة، فكل مسئول مسئول ومجزي، والناس شهود له أو عليه، وملائكته شاهدة عليه، ويوم القيامة لن يجوز الصراط حتى يرى ما قدم، ولكن نريد أن نسأل أنفسنا، نريدك أنت أيها الإنسان.

دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر

وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

ربما الواحد يقول: وأي مسئولية اتحملها وأي مسئولية أتولاها وأنا ليس في نفسي، وليس بيدي شيء؟ بيدك جوارحك، بين جنباتك حواس وجوارح وقدرات أنت مسئول عنها، فأخبرنا بالله عليك ماذا قدمت لها؟ وماذا سلكت بها؟ وماذا نفعت المسلمين فيها؟