عباد الله! المبادرة بالتنفيذ صفة من صفات المؤمنين، وهي صفة الأنبياء، وهي صفة الرسل، وهي صفة الملائكة البررة {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦] يقول الله سبحانه وتعالى في شأن استجابة النبي إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما أراه الله في المنام أن يذبح ابنه، علم ذلك النبي الأواه الحليم، علم أن رؤيا الأنبياء حق، وإن كانت تقتضي ذبح فلذة الكبد، علم أن رؤيا الأنبياء حق، وإن كانت تقتضي أن تمر الشفرة الحادة على حلق الابن البار في حين انقطاع من الولد والذرية:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}[الصافات:١٠٢] يعني: أريد أن أذبحك بالسكين، وأضجعك كما أضجع الشاة، لأني رأيت هذا في المنام، ورؤيا الأنبياء حقٌ، ورؤيا الأنبياء وحيٌ ولا بد من تنفيذها حتى ولو كانت تقتضي إبانة رأسك عن جسدك يا ولدي! هذا شأن استجابة النبي، فماذا قال ذلك الولد البار؟ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات:١٠٢] وأنا أعينك على الاستجابة، وأنا أعينك على تطبيق أمر الله {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:١٠٢] هكذا كانت استجابة إبراهيم عليه السلام لرؤيا رآها، وهو يعلم أن رؤيا الأنبياء حقٌ ووحيٌ، ولم يقل: أعوذ بالله من الشيطان، هذه أضغاث أحلام، أو هذه منامات مختلطة، بل قال:{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}[الصافات:١٠٢] فانظروا إلى هذه الاستجابة الفورية، ولو كانت على حساب فراق الأب والابن، ولو كانت على حساب إبانة الرأس عن الجسد، ويقول الله جل وعلا في شأن إبراهيم أيضاً:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:٢٧] يؤذن في وادٍ سحيقٍ، يؤذن في وادٍ لا يرى فيه أحداً، يؤذن في وادٍ لا يرى إلا الجبال والتلال، يؤذن في وادٍ لا يرى إلا الحجر والحصى، نعم.
استجاب لأمر الله، وكان البلاغ على الله جل وعلا، فجعل أفئدةً من الناس تهوي إلى هذا البيت حتى لا تكاد تجد لحظةً واحدةً يخلو فيها بيت الله من طائفٍ، أو عاكفٍ، أو راكعٍ أو ساجدٍ، فما أعظم هذه الاستجابة، وما أقواها، وما أجلها يا عباد الله.