للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من حقوق الزوج على الزوجة عدم الخروج من البيت إلا بإذنه]

كذلك من حق الزوج على زوجته: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه، كثير من الرجال اليوم يأتي إلى البيت: يا بنية أين أمك؟! والله لا أدري، خرجت إلى أين؟! لا أدري.

متى تعود؟! لا أدري.

وربما يجد ورقة معلقة عند باب الثلاجة أو عند السرير: أنا ذهبت إلى فلانة أو ذهبت إلى فلان أو آل فلان أو زواج بني فلان هل استأذنت من قبل؟! هل أشعرت زوجها من قبل؟! هل أخبرته بذلك من قبل؟! لا، إنما يكفي صورة من القرار للإشعار والإحاطة مع التحية، أما أن يكون للزوج الإذن في أن يقبل أو لا يقبل أو يرضى أو لا يرضى إطلاقاً لا، وهذا من انتهاك النساء لحقوق الرجال، من انتهاك الزوجات لحقوق الأزواج.

بل الواجب -مثلاً- أن تأخذ قاعدة عامة: إذا كان بيت أهلها أخوال أولاده قريب من بيته فيقول مثلاً: هذا إذن مفتوح أن تخرجي إلى أجداد أولادي أو أخوال أولادي في أي وقت تشائين ما دام الأمر متيسر، ولا حاجة إلى الإذن المتكرر في ذلك.

أيضاً أن يحدد مثلاً بالنسبة للمريض الفلاني والمريضة الفلانية من الأقارب فلك فرصة في الأسبوع أن تزوريها ما بين كذا وكذا، يعطيها إذناً مفتوحاً بهذا في وقت محدد بزمن، أما أن تخرج المرأة وتكن خراجة ولاجة وتأتي متأخرة يغالبه النوم والنعاس على فراشه وحده وهي غير موجودة، أين كنت اليوم؟ في الحديقة.

وأين كنت اليوم؟ في مناسبة.

وأين كنت اليوم؟ في زفاف.

وأين كنت اليوم؟ في حفلة.

وأين كنت اليوم؟!! ماذا بقي للرجال من الحقوق؟ إن بعض الرجال من أصبحت الخادمة هي التي تقوم بكافة حقوقه ما عدا الفراش! ولم يبق له من حق أو حظ من الزوجة إلا الفراش، هذا إن كانت تمنحه ما أوجب الله عليها له بطيب نفس ورضا خاطر.

فينبغي للأخوات وينبغي للمسلمات أن يتقين الله في هذه المسألة، وإن الله سبحان وتعالى قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] وما من شك إن تأكيد قرار الزوجة في البيت لحق الزوج، فإذا كان القرار أمراً عادياً لجميع النساء فإنه يتأكد ويتحتم بالنسبة للزوجة لحق الزوج في هذا القرار في البيت.

وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه عليها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه) أين المرأة الآن التي تستأذن في كل أحوالها؟ أقول: إن هذا من الواجبات التي ضيعنها الكثير من النساء فنسأل الله لهن الهداية.

هذا أيها الأحبة: لا يعني أن يتسلط الرجل فيمنع زوجته من الخروج مطلقاً مع وجود الحاجة والمصلحة الشرعية، لكن يجب عليها ألا تخرج إلا بإذنه.

ولقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها) وفي الحديث (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وهذا صريح في الدلالة على ضرورة إذن الزوج لخروج المرأة إذا كان للمسجد فما بالك بغيره؟ يقاس عليه سائر حالات الخروج لمصلحة شرعية، ولذا ترجم عليه البخاري رحمه الله بقوله: باب في استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره.

قال الكرماني: فإن قلت: الحديث لا يدل في الإذن على الخروج إلى غير المسجد قلنا: لعل البخاري قاسه على المسجد.

والقرار في المنزل لا يعني عدم الخروج مطلقاً، قال ابن تيمية: والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفر فإن الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] نزلت في حياته صلى الله عليه وسلم وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجاته في حجة الوداع، فنعرف من هذا أو نعلم من هذا أن خروج المرأة لمصلحة أنفع من الجلوس في البيت بلا مصلحة، امرأة لو خرجت لسماع المحاضرة أو للدراسة في مدرسة تحفيظ القرآن الخيرية النسائية بعد العصر هل نقول: إن قرارها في البيت بين الجدران الأربعة والتلفاز والشاشة والهاتف خير من خروجها لحضور محاضرة في المسجد أو اشتراكها في مدرسة تحفيظ القرآن؟

الجواب

لا، إذاً يفهم من هذا أن القرار تؤمر به النساء من أجل ما يحفظها وينفعها، فإذا كان في خروجها مصلحة أو كان في خروجها حاجة أو كان خروجها لضرورة فإن ذلك لا يمنعها أن تخرج بإذن الله عز وجل.

كذلك خروج المرأة لطلب العلم، فإن كان مفروضاً وجب وجوباً على الزوج أن يعلمها هذا العلم إن كان قادراً عليه، فإن لم يفعل وجب عليها أن تخرج ولو من غير إذنه، كذلك خروجها لقضاء حوائجها، يجوز لها أن تخرج إن لم يقم الزوج بذلك، ويكون خروجها من قبيل الضرورة فلا يملك منعها من ذلك.

وأنا في الحقيقة أقول لبعض الإخوة أو بعض الرجال جزاهم الله خيراً وشكراً لهم على غيرتهم: بعضهم يمنع المرأة تماماً من الخروج حتى لحاجاتهن الخاصة في لباسهن وفي أخص أحوالهن وأمورهن، فلا ينبغي للرجال أن يقول: أعطيني قائمة بما تحتاجين وأنا أشتريه ولا أسمح أن تخرجي أبداً! إذا كان هناك من الأمور ما تحتاج المرأة أن تباشر شراءه بنفسها فاجعلها تخرج واخرج أنت معها، يكون هذا من باب إكرامك لها واحترامها واحترامك لذوقها واحترامك لاختيارها، واختيارها لما يناسبها، وحفظها عما لا يليق بها أو ما تخشاه عليها هذا خير من أن تقول: أبداً، من الجدار إلى المقبرة، من البيت إلى القبر ولا يمكن أن تخرجي أبداً ليس هذا بحكمة، بل الأولى أن تنظر في حاجتها وأن تتحسس رغبتها، وإن المرأة العاقلة هي التي لن تخرج إلا حيث ترى أن في خروجها مصلحة، ومعلوم أن قرارها وعدم تعرضها للرجال وتعرض الرجال لها خير لها ولهم، ولكن إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى ذلك فلا ينبغي أن نغلب باب القرار على هذه المصلحة الراجحة الظاهرة، أو هذه الضرورة الواضحة هذه مسألة مهمة.

هذه مسألة مهمة، وما أجمل قول القائل في شأن بعض النساء:

قالت الأرنب قولاً جامعاً كل المعاني

أشتهي ألا أرى الذئب ولا الذئب يراني

خير للرجال ألا يفتنوا بالنساء ولا يرونهن، وخير للنساء ألا يرين الرجال ولا يفتتنن بهم، لكن إذا كان ثمة حاجة فينبغي أن نكون على درجة من الحكمة ومعرفة عصرنا وأحوالنا، وما ينبغي وما لا ينبغي.

قال في كشاف القناع: ويحرم عليها الخروج بلا إذن زوجها، هذا إن قام الزوج بحوائجها التي لابد لها منها وإن لم يقم بها فلابد من الخروج للضرورة، وكذلك خروجها في السفر المندوب والواجب فله منعها في المندوب وليس له منعها في السفر الواجب كما ذكر الفقهاء، واختلفوا: هل يجب على الزوج أن يخرج معها في سفر الحج المفروض عليها أم أن الحج يسقط عنها أم أن الحج مسألة خلافية تذكر في بابها؟