للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنكار الناس لغفلتهم]

نرى كثيراً من إخواننا هداهم الله ينزعج من الكلام عن قضية الغفلة، ولا يحب طرح هذا الموضوع، بل ربما بادرك برده قائلاً عاجلاً: ألست ترانا نصوم ونصلي فعن أي غفلة تتحدث؟ لا إله إلا الله! ويا سبحان الله! لقد عظمت هذه الغفلة حتى حجبت الكثير عن التفكر والتدبير، نحن في غفلة عن الآخرة، والحساب قريب: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:١].

فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عن قريب ستندم

أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده سوى جنة أو حر نار تضرم

أهل الدنيا في غفلة، ونحن نعيش غفلة بالغة في دنيانا، ويردنا ويبعدنا ويوقظنا من سبات الغفلة أمثال هذه المجالس، حلق الذكر ورياض الجنة التي بإذن الله يجد الذين ضلت قلوبهم منها بغيتهم، والذين فقدوا رقة وشفافية أفئدتهم يجدونها في هذه الأماكن، حيث تغشى السكينة، وتحف الملائكة، وتتنزل الرحمة، ويذكر الله هذا الملأ فيمن عنده بمنه وكرمه ومشيئته.

أيها الأحبة في الله! نحن في غفلة عظيمة، وأهل الدنيا عموماً في غفلة، قال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم:٣٩] فأهل الدنيا في غفلة، روى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل النار النار، وأدخل أهل الجنة الجنة يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة أتعرفون هذا؟! قال: فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم، هذا الموت.

ثم ينادي مناد: يا أهل النار أتعرفون هذا؟! فيشرئبون وينظرون، وكلهم قد رأوه، فيقولون: نعم، هذا الموت.

فيؤخذ ويذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة خلود ولا موت!، ويا أهل النار خلود ولا موت! فذلك قول الله تعالى: ((وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)) [مريم:٣٩] قال: أهل الدنيا في غفلة) رواه البخاري ومسلم والنسائي.

كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يتمثل بهذه الأبيات:

أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم وكيف يطيق النوم حيران هائم

فلو كنت يقظان الغداة لحرقت مدامع عينيك الدموع السواجم

نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم

يغرك ما يفنى وتشغل بالمنى كما غر باللذات في النوم حالم

وتشغل في ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم