للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إن طرق الخير كثيرة]

قال صلى الله عليه وسلم: (على كل مسلم صدقة قال أحد الصحابة: أرأيت إن لم يجد؟ قال صلى الله عليه وسلم: يعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر، فإنها صدقة) متفق عليه، ومن الناس من لا يعرف حتى الصدقات التي لا تحتاج إلا إلى الصبر.

في مجلس من المجالس زرت رجلاً أرجوه وألتمس عنده أن يفك أسر مكفوله الذي بلغ من العمر مبلغاً، وله أسرة فقيرة، وله طفلة عمرها ثلاث سنوات أصيبت بفشل كلوي، وله أم عجوز كبيرة، فقلت للرجل: يا فلان، يا عبد الله! إني أدعوك إلى الله وبالله، ولأجل وجه الله أن تترك كفالة هذا المسكين، وتنقلها إلى آخر، وإن ثبت لك في ذمته شيء من الحقوق المالية شرعاً، فأنا ضمينٌ كفيلٌ بها، اتركه.

فقال: لا، ما أتركه، فقام واحد من الحضور، قال: هي فوضى، أن يأتي هؤلاء الأجانب، ونتسامح معهم ونتساهل معهم، المستشفيات مليئة بالمرضى، وأنت لا تأخذك العاطفة، فقلت: يا مسكين! أولم يكن خيرٌ لك أن تقول كلمة طيبة، أو تصمت: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت).

من الناس فضلاً عن أنه عاجز عن أن يفعل خيراً- والعياذ بالله- قعد به الشيطان ونفسٌ أمارةٌ بالسوء، وهوى مطاع، وشحٌ متبع، قعد به عن فعل الخير، فما زاده إلا أن أنطقه بالباطل، فإذا لم تستطع قول الحق، فلا تنطق بالباطل يا عبد الله، الإمساك عن الشر كما في نهاية الحديث، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: (يمسك على الشر، فإنها صدقة) متفق عليه.

إن أبواب الجنة ميسرة وسهلة، لكن الشيطان ضيق على من أغواهم وأضلهم، تجد الذين وقعوا في الخمر والمخدرات، جميع أنواع عصيرات الفواكه، وعصيرات المشروبات، والأطعمة والطيبات ضاقت في أعينهم، ولم يبق إلا الخمر وهو الذي لذَّ أمام أعينهم وعلى ألسنتهم، أنواع المأكولات ما طابت لهم، وما طاب إلا الحرام، جميع أبواب الرزق من بيع وشراء وأجرة وسَلَم ورهن ومغارسة ومزارعة، وأمور كثيرة ضاقت عليهم، وما طاب لهم إلا الحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تجد بعضهم ضاقت المجالس أمام عينيه، ما فكر أن يقعد في مسجد، أو يجلس مع زوجته، أو يلاعب أطفاله، أو يصل رحمه، أو يجلس مع والديه، أو يمشي في طاعة الله ومرضاته، ضاقت كل المجالس وما رأى إلا مجلساً فيه معصيةٌ من معاصي الله سبحانه وتعالى.

وفي الختام أيها الأحبة: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦].

اللهم لا تجعلنا من الفاسقين، اللهم لا تجعلنا ممن طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اللهم اجعلنا من المسارعين في الخيرات، الراغبين في الطاعات.

اللهم استرنا بسترك الذي لا يُكشف، اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وارفعنا بطاعتك، ولا تخزنا بمعصيتك، اللهم ثبتنا على طاعتك إلى أن نلقاك، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا.

اللهم أصلح شأننا، اللهم اجمع شملنا، اللهم أصلح حكامنا، اللهم اهد ولاة أمرنا، اللهم سدد دعاتنا، اللهم وفق علماءنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شمل علمائنا وحكامنا ودعاتنا وعامتنا وصغيرنا وكبيرنا على طاعتك.

اللهم لا تفرح علينا عدواً، اللهم لا تُشمت بنا حاسداً، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، ومن الزيغ بعد الاستقامة، ومن الضلالة بعد الهدى، لا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار يا رب العالمين.

وفي الختام أرجو ممن رتبوا هذه المحاضرة أن يجعلوا على الأبواب من يجمع تبرعات لإخواننا في البوسنة والهرسك، فإنهم بفضل الله في أخبار تنبئ بانتصارات، وبشائر تنبئ بقرب النصر والفرج من عند الله سبحانه وتعالى، فأعطوهم وأعينوهم: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل:٢٠].