للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث عن فترة الشباب وأهميتها]

والأمر الثالث: فترة الشباب، وهي الفترة الذهبية؛ شباب العقل والقوة شباب الجسم والفهم، كل ذلك في مرحلة الشباب، من استطاع أن يستفيد في مرحلة شبابه فهو بإذن الله جل وعلا يستقيم على جادة سليمة وعلى طريق مستقيم إلى أن يتوفاه الله جل وعلا من هذه الدنيا بعد عمر طويل وأعمال صالحة، لكن الإنسان الذي ما استطاع أن يغلب نفسه في مرحلة القوة وفي مرحلة الشباب هل يستطيع أن يغلب نفسه في مرحلة الضعف؟ إذا قلنا: مرحلة الشباب هي أقوى مرحلة تستطيع أن تتخذ فيها القرار، وتستطيع أن تنفذ وأن تخطط وأن تعد الوسائل لأمنياتك، هذه مرحلة الشباب إذا كنت عاجزاً عن تحقيق أمانيك في مرحلة شبابك، فهل تحققها بعد أن تكون هرماً وبعد أن تكون في الأربعين والخمسين؟ إذاً -يا إخواني- ينبغي أن نستغل مرحلة الشباب، وأنا في الحقيقة أقول: إن الذي خرج من العشرين وصار إلى الثلاثين ولم يحدد هدفه ولم يحدد مركزه الاجتماعي في مجتمعه، ولم يحدد مستواه المالي ولا أقول: المال هو هدف، لا.

وإنما تعيش عيشاً هنيئاً كريماً فإن هذا يعيش خبالاً ووبالاً، أو يعيش كما يعيش كثير من الناس بلا هدف وبلا غاية، من العشرين إلى الثلاثين في الحقيقة ينبغي أن يسخر الشباب أهم نشاطاته ولا يعني أن يهمل المرحلة فيما قبلها.

ومرحلة الشباب هي أفضل مراحل العبادة، وهي أفضل مراحل الإنابة، وهي أفضل مراحل التوبة إلى الله عز وجل، والذي لم يتب إلى الله في شبابه لا يستطيع أن يتوب في المستقبل، لماذا؟ لأن النفس تشب على ما عودتها:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فالطفل لولا تعود أنه ينفطم عن ثديها وعما نسميه بالرضاعة وغيره، قد يكبر ويعيش وهذا الحليب معه في هذه القنينة أو في هذه الزجاجة إلى أن يكبر، ولا يرده إلا الناس، يستحي منهم وإذا عاد إلى بيته استعملها؛ لأن الشاب تعود على ذلك، النفس كالطفل إذا أهملتها شبت على كل ما ترتاح إليه من الخور والكسل والهوان وشهوات النفس، والذي يغلب نفسه هو الذي يفوز بالفلاح والنجاة إن شاء الله، يقول الشاعر:

وكل امرئ والله بالناس عالم له عادة قامت عليها شمائله

تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمر أوائله

علماء السلف في طلب العلم يقولون: من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة، لكن الذي بدايته ضياع هل يجني من الشوك عنباً؟ لا والله ما يجني إلا شوكاً ومراً وغسليناً.

إذاً -يا إخواني- لا أحب أن نكثر الحديث وأحب أن أستفيد، والله إنها لفرصة سعيدة أن ألتقي بكم، وأسأل الله جل وعلا أن ينفع أمتنا بكم، وأن ينفع أمة الإسلام بالشباب.