للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الترف والإسراف]

أيها الأحبة في الله: إن كثيراً من المسلمين هداهم الله، يقعون في محاذير ينبغي السلامة منها في هذا الشهر العظيم خاصة، فمن أهمها: الترف الذي يحصل والإسراف الذي يقع في المآكل والمشارب على موائد الإفطار والعشاء، فإن هذا شهر عبادة وليس شهر مهرجان للطعام والشراب، وليس شهر منافسات أو مسابقات لاختيار الأذواق والأطعمة، إنما هو شهر عبادة (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) وكثير من المسلمين يتفننون في هذه الأطعمة، إننا لا نحرم أن يطهي الإنسان ما يحب ويشتهي، ولكن نقول: الحذر الحذر من أن يبلغ الأمر إلى حد الإسراف والتبذير.

فكم من مسلم مر بزبالة فرأى فيها ألوان الطعام والشراب قد اختلطت بالنجاسات وغيرها، أفهذا من شكر نعم الله؟ أفهذا من حمد الله أن بلغنا الشهر، ونحن أعزة، وغيرنا في مذلة! ونحن في أمن وغيرنا في مخافة! ونحن في نعيم وغيرنا في مجاعة! ونحن في اجتماع وشمل وغيرنا في تفرق وتمزق! ونحن في منعة وغيرنا تتخطفهم السهام من كل جانب! {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:٥٧].

فيا عباد الله: الواجب علينا القصد في المعيشة كلها، لأن المقصود من الأكل عند الإنسان أن يكون الطعام والشراب بلغة إلى الآخرة ومعيناً على عبادة الله.

نعم إن الحيوان والبهيمة نهمته ورغبته إشباع غريزة الأكل التي خلقت فيه، ليسمن ثم ينحر ليأكله أهله وأصحابه.

أما الإنسان فما يأكل ليسمن كما تسمن البهائم، وإنما يأكل ويشرب من أجل أن يكون الطعام بلغة إلى طاعة الله عز وجل.

فينبغي أن نفهم المقاصد في كل ما شرع لنا، وفي كل ما أوتيناه من نعم الله عز وجل، والحذر الحذر من أن يكون همنا الرغبة في الدنيا بكل ما فيها.

إن طائفة من البشر لا هم لهم إلا الملذات ولا غير الشهوات ولا غير رغبات النفوس ولا غير شهوات النفوس ولا غير المهم اللذة في المأكل والمشرب والفراش والغدو والرواح المهم اللذة سواءً وافقت طاعة أو معصية وذلك من الإعراض عن رحمة الله ورجاء ما عند الله، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:٧ - ٨].

فنحن أيها الأحبة: نأكل ونرجو رحمة الله، ونشرب ونرجو رحمة الله، ونغدو ونروح نرجو رحمة الله، وننام ونستيقظ نرجو رحمة الله، ينبغي ألا يفارقنا رجاء لقاء الله، ورجاء رحمة الله عز وجل.