للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخبار المجاهدين في أفغانستان]

معاشر الإخوة! أما عن أخبار إخوانكم المجاهدين؛ فإنهم الآن على أتم حالات الأهبة والاستعداد والتعبئة العامة لدخول معركة حاسمة على جميع الأصعدة والثكنات والمناطق، إنها المعركة الحاسمة وستكون قريباً بإذن الله سبحانه وتعالى، يعدون ويستعدون لها على جميع الأصعدة والمناطق والأماكن، فأكثروا من الدعاء لهم، خاصة في الصلوات، وأمنوا أثناء القنوت في صلاة الفجر وغيرها، أمنوا وأنتم تتذكرون حالهم في شدة البرد وقلة العدد والعتاد، وضعف أحوالهم إلا ما أعانهم الله به من قوة النفس والعزيمة وثبتهم به بكلمته وحده لا شريك له، وحسبكم بهذا عوناً ونصراً.

أيها الإخوة! التقيت بالأمس بأحد الذين جاءوا من أفغانستان، ومن الذين جاءوا من المنطقة الواقعة على خط النار سألته عن أحوال المجاهدين فقال: والله يا أخي لقد رأيت شباباً أحقر نفسي عندهم، ورأيت همماً ونفوساً تهد الجبال الراسيات، ورأيت رجالاً يتمنون الموت ويبكون على الشهادة ويسألون الله ألا يعودوا إلى أرضهم، بل يريدون أن يموتوا في ساحات الجهاد في حال جهادهم مع الشيوعيين والكفار.

قلت: ثم ماذا وحدثني عما رأيت؟ قال: دخلت معسكراً فيه ما يقارب أربعة آلاف من المجاهدين، وإذا بشيخ قد وقف فيهم خطيباً يتلو عليهم قول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:١١١] فأخذوا يبكون وضج ذلك المعسكر بالبكاء، كل يسأل ربه الجنة، ثم ثنى عليهم بقول الله جل وعلا: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة:٣٩] فزاد بكاؤهم ونشيجهم وأخذ يتلو عليهم من سياط القلوب وأعظم المواعظ ما يحرك الهمم والقلوب الميتة.

ثم بعد ذلك يقول: خرجنا من هذا المعسكر فإذا بقافلة خيالة، منهم سبعون فارساً على الخيل عليهم عمائم بيضاء وثياب بيضاء، فقلت لمن معي: من هؤلاء؟ قال: هذه كتيبة الأكفان، لا يخرجون إلى المعركة إلا وقد لبسوا الكفن وتغسلوا وتحنطوا واستعدوا للقاء الله جل وعلا، خرجوا يريدون الموت لا يريدون غير ذلك.

قلت: ثم ماذا؟ قال: وفيهم رجل يقول: من يبايعني على الموت لا يبايعني على العود أو الغنيمة؟ فيصيحون ويبكون يقولون: بايعناك وعيونهم تذرف دمعاً شوقاً إلى جنات الله ورضوانه، كلهم يشتاق أن تُغفر ذنوبه عند أول قطرة تراق من دمه، وكلهم يشتاق أن يُشفع في أمه وأبيه وسبعين من أهل بيته، كلهم يشتاق أن يرى منزله من الجنة حين قتله، كلهم يشتاق أن يرى الحور العين تتهافت وتتوافد عليه؛ لتطير بروحه إلى أعلى عليين.

قلت: ثم ماذا؟ وحدثني ولن أمل حديثك؟ قال: وفي هذا المعسكر شيخ قد جيء به على عربية مقعد معوق قد بترت واحدة من رجليه في إحدى المعارك، وحينما تكلم وحثهم على الجهاد والنفرة، كان أول من رفع يده ذلك الشيخ، فقال: أما أنت فقد أعذرت أمام الله، قد أعذرك الله جل وعلا يقول الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} [الفتح:١٧] فصاح ذلك الشيخ: أتحتقرني؟ فقال: لا والله لا أحتقرك، ولكنك معذور أمام الله.

فقال: والله لأدخلن برجلي هذه الباقية في أرض المعركة.

قال: إنك لن تستطيع أن تُقدم شيئاً.

قال: اجعلني خبازاً لهم إذا عادوا يأكلون من صنع يدي! انظروا إلى هذه المعنويات العالية، والنفوس الشجاعة والأرواح الباسلة، والله لو دخل فلسطين يوماً واحداً أو عشرة أيام كتائب من هذه الكتائب؛ لطردوا اليهود الجبناء الذين قال الله في شأنهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤] فنسأل الله جل وعلا أن يثبتهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن يوحد صفهم، وأن يسدد رصاصهم، وأن يعينهم بعونه إنه أرحم الراحمين.

أيها الإخوة! ومن الأحداث العجيبة القريبة أن نجيب الشيطان حاكم كابول، عميل الروس طلب من جلال الدين حقاني أحد زعماء المجاهدين أن يقابله وذلك بمكاتبات ورسائل بينهم، فأرسل نجيب الشيطان رسالة يقول فيها: إننا نريد الهدنة معكم معاشر المقاتلين، ومقابل ذلك سنخرج جميع سجناء منطقة بكتيا، وسوف أصدر أمراً بالعفو عنك يا جلال الدين، وسوف أسلمك مائة رهينة من الروس أو من الأفغان مقابل ضمان صدق هذه المفاوضات.

فأرسل له جلال الدين رسالة قال فيها: إن الشهادة في سبيل الله أحب إليّ من هذا العفو الذليل الذي تعفو به عني حكم الإعدام، ثم اعلم أن الموت والحياة بيد الله، وليست بيدك يا نجيب الشيطان، واعلم أنني إن قبلت أن أفاوضك؛ فلن أرضى إلا بإطلاق جميع السجناء في بكتيا وفي جميع محاور القتال وجبهات الجهاد.

أما الجلوس والتفاوض معك فلا بأس بذلك بشرط -وليس ذلك بتفاوض الضعفاء أو تفاوض المهزومين، لا- أن نختار مائة رهينة نحن معاشر المجاهدين وبعد خروج الروس وطردهم من البلاد، وألا يمثل هذه المفاوضات واحد منهم، ثم بعد ذلك ننظر ما تطلبون منا.

انظروا عزة المسلمين في المواقف، انظروا عزة المجاهدين؛ لأنه لا حلول دبلوماسية، لا مفاوضات دبلوماسية؛ هما أمران: إما أن تُخرجوا الروس الأجانب من البلاد، وتذعنوا لراية التوحيد وحكم الإسلام، وإما أن نقاتلكم حتى آخر طفل رضيع منا، وآخر كهل مقعد فينا، وآخر أرملة جريحة من نسائنا.

تلكم أيها الإخوة مشاعر المجاهدين أبشركم بها، وأخبركم أن إخوانكم بحمد الله جل وعلا من يوم أن رأوا تبرعاتكم متدفقة إليهم وجهودكم بالدعاء لهم، فياضة المشاعر في كل حين ولحظة، إن ذلك مما زاد ثباتهم بعون الله سبحانه وتعالى وتوفيقه.