للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال أهل الدنيا في الآخرة]

عباد الله: انظروا إلى حال من جمعوا في هذه الدنيا بين لذيذ المآكل والمشارب، وأرقى المساكن والمراكب، وغفلوا عن حظهم في الآخرة، أترون ما هم فيه يعدل ذرةً من نعيم الآخرة، إن أردتم حقيقة ذلك، وحقيقة ما هم فيه، فاسمعوا وأنصتوا إلى حالهم ومآلهم: حيث يؤتى يوم القيامة بأطول الناس أعماراً في الدنيا من المترفين التاركين للطاعات المرتكبين للمنكرات، فيصبغ أحدهم في النار صبغة، ثم يقال له: هل رأيت في الدنيا خيراً قط، هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا يا رب! ما مر بي نعيمٌ ولا رأيت خيراً قط، فينسى نعيم الدنيا عند أول مسٍ من العذاب، يقال له: كم لبثت في الدنيا؟ يقول: لبثت يوماً أو بعض يوم، يقال له: بئس ما اتجرت في يومٍ أو بعض يوم.

هؤلاء الذين صرفوا عقولهم وأعمالهم للعمل في دنياهم، واتباع شهوات البطون والفروج، وتركوا فرائض ربهم، ونسوا أمر الآخرة، ولم يزل ذلك دأبهم حتى خرجوا من الدنيا مذمومين مدحورين، مفلسين من الحسنات والأعمال الصالحات، قد تكالبت عليهم سكرات الموت وحسرات الفوز، وهول المطلع، وملائكة العذاب، فيندم أحدهم على تفريطه حين لا ينفع الندم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:٢٤ - ٢٦] خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.