للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه

أخي الكريم: ربما قال لك الشيطان: لو التزمت، لربما فات منصبك لو التزمت لربما نظر إليك من حولك نظرة ازدراء، وبعضهم يقول: أريد أن ألتزم، وأخشى أن ينظر إليَّ رئيسي نظرةً تؤثر في ترقيتي، وآخر يقول: أريد أن ألتزم، لكن أخشى أن أحرم بسبب التزامي، وأقول لك: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:٢٨] إن التزمت لأجل الله؛ فإن الله يغنيك، ويغني مسئولك، ويتوفاك ويميت مسئولك، وإن شاء قتلك وقتل مسئولك، وأماتك وأمات مسئولك، فعليك أن تنظر إلى الله، وأن تنظر إلى ما ينجيك عند الله؛ لأن مسئولك هذا أياً كانت رتبته ودرجته فقيرٌ إلى الله مثلك، مسكينٌ إلى الله مثلك، لو شاء الله لأخذ سمعك وسمعه، وبصرك وبصره، وفؤادك وفؤاده، وروحك وروحه، فلا عليك إلا أن تبرأ من كل صغير وكبير، وابرأ من كل حول وطول إلا من الله، فعليه توكل، وبحماه لذ، واستعن به جل وعلا، فإن من تعلق به نجا، ومن اتصل بحبل الله المتين وصل.

أيها الحبيب: لابد أن يتقابل أمران: شهوة في نفسك، وأمر من الله ورسوله، فإن غلَّبت أمر الله وأمر رسول الله على شهوتك فإنك بإذن الله من الناجين، وإنها لحظات تصبر عن المعصية، فتنال اللذة، ويبقى الأجر، وتسلم من الوزر، واسأل من فعل الفاحشة الآن أو قبل الآن: هل تستمر اللذة بالفواحش؟

إن أهنا عيشةٍ قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل

اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل

ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أفل

أيها الحبيب: دع كل شهواتك لله، دع كل ملذاتك لله، قل: يا رب! لأجلك تركتها، ولما عندك طلقتها، ولثوابك ابتغيت كل ذلك، فإن من تعامل مع الله أكرمه الله بعاجل التوفيق، وعاقبة حسنة {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:١٠١].

أيها الأخ الحبيب: عليك أن تتحدى بالتزامك، وأن تجتهد وتقاوم باستقامتك، ولا تكن ضعيفاً جباناً خواراً، إذ إن بعض الشباب فيه خير، ولكن ربما كان الوسط الذي يعيش فيه سبباً في ضياعه وانحرافه، أو سبباً في ضعف إيمانه عليك أن تتحدى، وعليك أن تصبر، وعليك أن تبرهن -بإذن الله جل وعلا- إنك قادر، وإنما النصر صبر ساعة، فمن صبر وجاهد في مدرسته في بيته في سوقه في وظيفته في عمله وفي كل المجالات؛ فإنه بإذن الله قادرٌ على النصر، وأما من انهزم في أول جولة، فيا سرعان ما ينهزم! ويا سرعان ما يضيع! أخي الكريم: عليك أن تكون فخوراً بإيمانك إذا ذقت لذة الاستقامة، فلا تلتزم التزاماً إذا أذن للصلاة استحييت أن تقول: قوموا إلى الصلاة! إذا أردت أن تجد لذة الاستقامة، فإذا نظرت إلى معصية لا تقل: يا ليتني من يفعل هذه المعصية، ولكن قل: الحمد لله الذي شرفني وكرمني ورفعني، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، ولو كنت من الضالين لكنت واحداً من الذين يقعون في هذه المعاصي، ويقعون في أوحالها وألوانها.

أيها الشاب: عذ بالله جل وعلا واجتهد، وجاهد نفسك، فإنك قادر، واحذر من أن يكون مالك أو ولدك سبباً في ضلالك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:١٤]، {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:١٥].

أيها الإخوة: لقد تسلط الشيطان على بيوتنا يوم أن ضعفت مقاومة الإيمان فينا، انظر إلى كثير من البيوت تصبح على الأغاني، وتضحي على الأغاني، والظهيرة أغاني، والعصر أفلام، والمغرب ملاهي، دخلتها الجن، دخلتها الشياطين، تلبس أهلها الشياطين، وصاروا في حيرة، وفي قلق، وفي نكد، وفي مصائب؛ لأنهم بعدوا عن الله {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤].