للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إتقان الأعمال من أجل الناس]

السؤال

هذا السائل يقول: في حديث استماع الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن وقول أبي موسى: (لو علمت -يا رسول الله- أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا) أليس فيه جواز إتقان العمل من أجل البشر، حفظكم الله ورعاكم؟

الجواب

لا شك أن إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقيق ما يحب هو مما يحبه الله ويرضاه، الرسول يعجبه تحسين القرآن ويحب الصوت الحسن بالقرآن، إذاً ما نواه وقصد إليه أبو موسى هو قربة إلى الله، يتقرب إلى الله بتحسين صوته لأنه مما يعجب الرسول عليه الصلاة والسلام، وتحقيق ما يحبه الرسول هو مما يحبه الله، إذاً فلم يفعل ذلك ليجلب ثناءً على نفسه للمدحة؛ مثل من يقرأ أو يزين قراءته لينال ثناءً من الناس ليثنوا عليه رياءً وسمعة، وإنما قصد أن يحسن تلاوته للقرآن تحقيقاً لما يحبه الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن المؤمن عليه أن يحب الرسول وأن يحقق وأن يحرص على تحقيق ما يحبه الرسول.

أقول أكثر من هذا: لو طلب من الإنسان والده أن يحسن له قراءته، فحسن قراءته استجابة لوالده، أو طلب منه والده أن يتلو عليه القرآن ففعل، فهذا برٌ منه بوالده، وكان ذلك عملاً صالحاً أن قرأ عليه القرآن، وأن حسن قراءته؛ لأن والده يرغب في ذلك ويعجبه أن يسمع القرآن من ابنه بصوته الحسن، لأن الوالد الطيب تقر عينه إذا سمع ابنه يتلو القرآن ويحسن قراءة القرآن بصوت حسن، وتحسين الصوت بالقرآن أمر مشروع للحديث الصحيح: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) وهكذا لو قرأ المسلم وزيَّن صوته بالقرآن ليؤثر على السامعين لينتفعوا بالقرآن، فهذا أيضاً محمود؛ لأنه لم يقصد التقرب إليهم، بل يريد أن ينتفعوا بالقرآن فيفعل ذلك طاعة لله، وجذباً للناس إلى كتاب الله لا جذباً للناس إليه، لا يريد أن يجذب الناس إليه حتى يعجبوا به، ويثنوا عليه، لا يريد أن يؤثر عليهم بالقرآن فيزين صوته لينتفعوا بالقرآن حتى يقبلوا عليه، فكل هذا ليس من الرياء في شيء، وليس من قبيل العمل للمخلوق.