للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محذورات نقل الأخبار]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين! لقد من الله على أمة الإسلام بصحوة ويقظة بعد غفوة وغفلة، ومن أبرز ملامح تلك الصحوة هذا الجيل العائد إلى الله من كل جهات الدنيا ومجالاتها، وفي شتى وظائفها وتخصصاتها، ولكن ما أحوج هذا الجيل إلى التفكير قبل العمل، وإلى التثبت قبل النقل، وإلى المناصحة عند الزلل: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:٤٦].

واعلموا يا عباد الله! أنه إن لم يتناصح المؤمنون فيما بينهم، فلينتقدنهم العدو، وليشمتن بهم الحاسد، وليجدن المرجف إلى عقر دارهم سبيلا، وإن مما ابتلي به كثيرٌ من المسلمين، الفرح والعجلة بنقل الأخبار، ونشرها في المجالس، وجعلها محور الحديث بين القاعدين، ثم لا تسل بعد ذلك عن الزيادات والحواشي والشروح، والدخول في المقاصد والنيات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل.

عباد الله! لقد تعددت وتنوعت وسائل نقل الأخبار والأقوال، فضلاً عن سرعة وصولها، وبات الخبر الذي يصبح في شرق الدنيا، يضحي في مغربها، والمهم في حديثنا اليوم هو ما الذي يصح، وما الذي يثبت من هذا الكم الهائل من المعلومات، وما تتناقله الألسنة، وقديماً قال العلامة ابن خلدون يرحمه الله: فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق في الآدميين وسليل.

ولما فشا نقل الكلام، ومرض نقل الأخبار، لما فشا هذا الداء العضال في صفوف كثيرٍ من المسلمين إلا من عصم الله ورحم، بتنا نسمع كلاماً ينقل، تثور له ضغائن النفوس، وتتمزق له أواصر الأخوة والمحبة، ومن قدر على العفو، لم يقدر على حفظ المودة من المنغصات، أو تصدع جدرانها.

فيا أخي:

احرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب

إن النفوس إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب