للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع الجهاد والمجاهدين]

كنت ذات يوم في جلسة مع رجل دبلوماسي في دولة خارج المملكة فقال: سمعت عن هذا المجنون حكمتيار؟ قلت: ماذا هناك؟ قال: رونالد ريجان يطالب أن يراه ويتقابل معه ويرفض هذا المجنون أن يقابله؟ من يحصل أن يقابل ريجان، يدعى مرتين يرفض الأولى ويرفض الثانية، ريجان يرسل ابنته فيرفض أن يقابلها! قلت: يا مسكين! لكني أعرف شباباً لا تعرفهم أنت وربما يمرون وأحدهم أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع في الأبواب لو أقسم على الله لأبره؛ يقابل أفضل الخلق ألا وهم شباب الجهاد الذين يستشهدون في سبيل الله فيكونون في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع رسول الله، مع النبيين والصديقين والشهداء، إذاً: أي مجلس أفضل: مجلس ريجان أو مجلس الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين؟ فسبحان الله! حينما تنتكس وتنعكس الفطر وتتقلب الأمور يصبح أسخف الأمور أعلاها، ويصبح أعلاها أسفلها، ويصدق فيها ما قال القاضي عبد الوهاب المالكي:

متى تصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا

ومن يثن الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا

وإن ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من أقسى البلايا

إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا

فما بالكم وقد ارتفعت الأسافل وهبطت الأعالي، عند ذلك تطيب منادمة المنايا، ويحلو الموت في سبيل الله، ولكن هي مكانة لا يبلغها كل واحد.

يقول: إذا كان الناس في الدنيا يقولون: هذه درجة عامة، وهذه درجة خاصة، وهذه أولى، وهذه درجة فوق الأولى، اعلموا أن المجاهد وإن كان من أفقر عباد الله وأقلهم في هذه الدنيا شأناً ينال أعلى الدرجات في دين الله جل وعلا، نسأل الله أن يخلص النيات لوجهه سبحانه وتعالى.

هذه هي القصة الثانية التي أسوقها شحذاً للهمم للجهاد في سبيل الله، وأسوقها لأقول: إن الجهاد علم الرجال الصبر، ولماذا يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠] ليس الحسنة بعشرة أمثالها أو إلى سبعمائة ضعف فقط، بل بغير حساب؛ لأن الصبر يرتبط بقوة العقيدة، ومنطق العقيدة هنا أن يعلم ذلك المجاهد الصابر المحتسب أن قضاء الله وقدره وإن كان في ظاهر الأمر لنا عذاباً أو ألماً أو جرحاً فإنه في حقيقته عين الرحمة وعين الحكمة واللطف؛ لأن الله أرحم بعبده من تلك بولدها كما أسلفنا في القصة.