للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشباب وقضاء الأوقات]

ما هي أوقات شبابنا؟ سهرٌ بالليل {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨] لا، سهرٌ في التفحيط، وفي الدوران، وفي هذه البطولات بين الصخور والرمال، وأين هم في الصباح؟ يشهدون صلاةً تشهدها ملائكة الليل والنهار، لا، على الفرش تراهم نائمين، ويضيع الصباح وما بعد الصباح وربما ضاع الظهر، ويستيقظون قرب المساء، ثم يحيون الليل الذي هو سكن بالحياة التي تضرهم وليست حياةً تنفعهم، والنهار الذي هو معاش بالغفلة التي تضرهم؟ أين هؤلاء الشباب؟!

والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت ألماً من الحرمان

لكن قلوب كثير من الشباب أصابها نوعٌ من الشلل نخشى إلا تفيق إلا بصدمة كهربائية، إن بعض الأعضاء الضعيفة في جسم الإنسان مثل يد ضعيفة، أو رجل ضعيفة، ربما تحتاج إلى شيءٍ من التدليك الطبيعي والعلاج الطبيعي حتى تقوى، وبعض الأعضاء الضعيفة لا ينفع فيها التدليك، ينفع فيها الصعقة الكهربائية حتى تستيقظ، حتى تعود الحياة إلى هذه العضلات والأعصاب وإلى هذه الشعيرات الدموية فيه، فنحن نريد من شبابنا أن يفيقوا قبل أن يحتاجوا إلى إفاقةٍ بالصدمات الكهربائية، ولن تكون الصدمة الكهربائية عدواناً من أحبابهم الدعاة، ولن تكون شراً نتمناه لهم، ونخشى أن تكون مصيبة تحل بأحدهم.

أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلا يدوم على الإحسان إمكان

اليوم أنت تملك ساقين تسابق بها الخيل، وتتخطى بها الريح، فما يدريك أن هذه الساق تمضي معك وتستمر قوية سليمة؛ لتتخطى بها إلى المساجد وإلى أماكن الطاعة.

كم من شاب في عداد المعوقين الآن يتمنى أيام كانت قدماه تحمله يقول: يا ليتني مشيت عليها إلى المساجد! يا ليتني مشيت عليها إلى حلق الذكر ورياض الجنة! يا ليتني مضيت عليها إلى مواقع ترضي الله عز وجل حتى إذا ابتلاني الله بما ابتلى وقدر ما قدر من هذا الشلل كتب ما كنت أعمله صحيحاً مقيماً.

لو أن رجلاً أصيب بشلل أو عاهة أو مصيبة وقبل أن يصاب بهذه العاهة كان مديماً على استخدام جارحته في الطاعة والعبادة، فإنه بعد أن يصاب تمضى له الحسنات، وتستمر له الدرجات، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض المسلم أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) أي رجل تعود قيام الليل فأصابه مرض نقول له: اطمئن إن أجر التهجد يكتب في صحيفة أعمالك ولو كنت على فراش المرض، رجلٌ تعود أن يعتمر أو أن يحج كل عام، ولكن حال دونه ودون الحج والعمرة مصيبة مالية أو بدنية نقول: اطمئن فإنها مكتوبة في موازين أعمالك؛ لأنك يوم أن كنت قوياً صحيحاً قد مضيت على هذه الطاعة فالآن تكتب لك وإن لم تفعلها ولكنك تفعلها بنيتك هذه.

أما الذي كان أيام قوته وعنفوان شبابه وربيع عمره يملك قوةً لكن ما سخرها في طاعة ولا في حلق الذكر ولا في رياض الجنة ولا في مجالسة الأخيار والدعوة، وإنما سخرها في صعود وهبوط، وسفرٍ وعودة، وسهرٍ وغفلة، نومٍ عن عبادة، وذهابٍ وإياب، ومعاكسةٍ ومشاهدة، وجلوسٍ وقهقهة، وسخريةٍ وضحك، وتحدٍ واستهتار، فحينما يصاب بمصيبة أو يبتلى ببلية، فما الذي يريد أن يكتب له بالعمل الصالح، إن من نعمة الله أن الإنسان إذا أذنب كتبت سيئةً واحدة، وإذا أصابه بعد الذنب ما أصابه فلا تكتب بقية السيئات إلا سيئةً كان يدعو إليها، أو كان يروجها وينشرها فعليه وزرها وأوزار من عمل بها إلى يوم القيامة.

مثال السيئات التي إذا مات صاحبها فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وهذا مثالٌ واقعي وليس من الخيال: رجلٌ كان يملك محلاً كبيراً فيه عدد من الفتحات يبيع فيه أشرطةً لأفلام الفيديو، فيها رقص هندي، ومصارعة حريم، وهبال وجنون، وحب، وغزل، وقلة حياء ومصائب متعددة، المهم أن هذا الرجل كان تاجراً من تجار محلات الفيديو، وربما بلغت الأشرطة الأصول التي عنده في ذلك المحل أكثر من مائة وثلاثين ألفاً أصل شريط فيديو، كتب الله أن سهام المنية وملائكة الموت تحل في داره وتأخذ برقبته وتنتزع روحه.

فما الذي حصل؟ كنا نظن أو يُظن أن الورثة من بعده يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا والدنا مات ولكن خلف معصية كبيرة، خلف فساداً وانحرافاً، فلعلنا أن نعالج وضعه وأن نحرص على أن نفعل حسناتٍ تكفر سيئاته.

فما الذي كان من الورثة؟ كانوا أذكى من أبيهم في هذا الضلال، قالوا: لو أننا بعنا محل الفيديو لن يباع بقيمة جيدة طبعاً؛ لأن قنوات الدش قد هبطت أسعار محلات الفيديو، شرٌ يهون شراً كما أن الإم بي سي إف إم خربت على تسجيلات الأغاني، فكذلك قنوات الدش خربت على محلات تجارة الفيديو، ولأن فيها من الفساد ما يوجد في المحلات وأكثر وأشد ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحاصل أن الورثة بعد أبيهم قالوا: لو بعناه ما جاب قيمة، ولوصفينا الأشرطة لا أحد يشتري أشرطة، نبيع الأجهزة ونقفل المحل، الديكور واللوحة والشهرة العالمية لا تصلح شيئاً، والحل يا شباب فليضع كل واحدٍ منا يده في يد الآخر ولنتعاهد ولنتعاقد ولنعقد بالخناصر والأكف أن نحفظ هذا الكنز الثمين والميراث والرسالة التي كان والدنا مستمراً عليها، فنمضي ويستمر المحل والريع نتقاسمه مجتمعين.

يعني: كان المتوقع من هؤلاء أن يقولوا: أبونا مات وفرق بينه وبين الشيخ عبد الله الجار الله الذي مات في العام الماضي ليلة سبع وعشرين، ولما مات عشرات إن لم تكن مئات الرسائل من الكتب والنشرات والكتيبات والمذكرات كلها في الدعوة والطاعة والعبادة والإنابة والتوبة والإرشاد والتحذير والنصيحة، كلها قال الله قال رسوله قال السلف:

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان

فهنيئاً له في هذا الميراث الذي خلف، لكن صاحبنا الذي نتحدث عنه نسأل الله أن يعاملنا وإياه بعفوه، فإن رحمة الله واسعة لا يضيق بها ذنب عبدٍ مهما عظمت ذنوبه، صاحبنا هذا الذي مات عن أفلام الفيديو الخليعة الماجنة، وأولاده من بعده يشغلون المشروع ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهذا نوعٌ واقعيٌ ومثالٌ واقعيٌ للسيئات التي ذنبها يستمر على صاحبها بعد فراقها أو بعد رحيله عنها بموتٍ أو بغيره.

فالعاقل أيها الأحباب: يحرص أن يقدم عملاً ينفعه بعد موته، وحين ننادي شبابنا نقول لهم: اغتنموا هذه الأوقات، واغتنموا ما جعلكم الله مستخلفين فيه؛ فإن الله عز وجل سائلكم عن هذه النعم التي أنتم فيها.