للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية المبايعة للإمام]

السؤال

كلنا يعلم أن الناس في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم كانوا يقومون بالبيعة للخليفة كلهم أو غالبيتهم، ولصعوبة هذا الأمر في هذه الأيام فمن ينوب عن المسلمين في مسألة بيعة الإمام؟ أرجو التوضيح.

الجواب

أولاً: ليس بصحيح أنه في زمن الخلفاء الراشدين أن جميع الناس أو أغلبهم يبايعون لا، بل يبايع عدد من الأشياخ والأكابر وأهل الحل والعقد، وكذلك في هذا الزمن إذا مات الحاكم، قام الحاكم الذي بعده، وقد استقر له الحكم أصلاً، أي أنه انتقل إليه مباشرة بالنص عليه بولاية العهد؛ فتنتقل عليه ويبايعه كبار العلماء كبار القضاة وجهاء الناس رؤساء العشائر أهل الحل والعقد، ولا يلزم أن يأتي كل فرد وكل نفر أن يصفق بيده على يد الحاكم ليقول: بايعتك على كتاب الله وسنة رسوله.

ومعلوم أن البيعة تستقر إما بأن ينتخبه أهل الحل والعقد، أي قوم أو أناس وإن شئت أن تطبق على بلدنا هذا في المملكة: الحاكم إذا بايعه أهل الحل والعقد انعقدت له البيعة، أو أن يكون الحاكم الذي قبله حاكماً مقطوعاً بشرعية بيعته، فأوصى الحاكم السابق بولاية العهد لحاكم لاحق، فلما زال السابق انتقلت الإمامة إلى هذا الذي نص عليه بالولاية فصار إماماً ثم بايعه أهل الحل والعقد وانتهى الأمر.

وقد تتحقق شرعية الحاكم إذا استطاع أن يقهرهم بسيفه، وأن يجمعهم تحت سلطان واحد، فمثلاً لو كان الناس قبائل وفوضى ومشتتين ومشردين وهؤلاء يغيرون على هؤلاء، ويسلبون هؤلاء، ويغزون هؤلاء، ويسرقون من هؤلاء المهم حياة فوضى، كل قبيلة تعدو على القبيلة الأخرى فجاء حاكم وأخضع جميع القبائل بسيفه، وأخضعهم بسلطانه، وقال لهم: إنه يحكم فيهم كتاب الله وسنة نبيه؛ فهذا بيعة شرعية يجب فيها السمع والطاعة.

أما ما يسمونها الديمقراطية والله لا تصير عندنا ديمقراطية، الديمقراطية تعطي الممثل صوتاً، وتعطي الفنان صوتاً، وتعطي المهرج صوتاً، وتعطي الساحر صوتاً، وتعطي للماجن صوتاً، وتعطي للداعرة صوتاً، وكل إنسان له صوت سواءً كان عاقلاً أو فاسقاً أو كبيراً أو صغيراً أو جاهلاً أو متعلماً أو خبيثاً أو طيباً أو صالحاً أو طالحاً كلهم يعطى صوتاً بالانتخاب والترشيح، وهذا ليس بصحيح، إنما الذي يرشح ويعطي صوتاً هم أهل الحل والعقد من العلماء الأبرار ومن وجهاء الناس وسادات القبائل وكبار العشائر هؤلاء هم أهل الحل والعقد، فإذا اجتمعوا على إمام عقدت له البيعة، أما قضية ما عندنا ديمقراطية حسناً انظر إلى الديمقراطية الآن ماذا تفعل في الجزائر، ماذا تفعل الديمقراطية الآن في كثير من البلدان، مذابح طاحنة، والذين يكرهون مجتمعنا اليوم، والذين يكرهون واقعنا اليوم، والذين يتمنون تغير أحوالنا اليوم؛ هم كأناس يعيشون في بيت يتمنون أن يهدم حتى يعيشوا في العراء فيفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

إذا كان بيتك ينقصه باب، تنقصه نافذة، بعض الإضاءات غير صالحة، الماء أحياناً ينقطع، الكهرباء أحياناً تنقطع هذا ليس بمبرر أنك تأتي بجرافة وتهد البيت، إذا كنت تلاحظ في مجتمعك أو في بلادك بعض النواقص هذا ليس بمبرر لأن تدعو أو تتمنى أو تتسلط أو تروج أو تحب أو تشيع الفكر الذي يدعو إلى إسقاط هذا النظام بالكامل لا، بل تحرص أن تحافظ على هذا النظام، وينبغي أن نفهم هذه القضية فهماً دعوياً علمياً شرعياً أننا لا نستطيع أن ندعو إلا مادام هذا النظام قائماً، لو اختل هذا النظام -لا قدر الله- لا تستطيع أن تقوم بأي عمل خيري، لا تستطيع أن تقوم بدعوة أو طباعة كتب أو كفالة دعاة أو كفالة أيتام أو أعمال خيرية أو محاضرات كل هذه الأعمال في ظل النظام القائم، فلو اختل النظام تريد أن يسقط النظام ثم تأتي تدعو بمحاضراتك وأفلامك وكتبك وخطبك وأشرطتك هذا من الحماقة وقلة العقل، وهذا من السفه ونقص العلم، ولكن أصحاب العقول كما يقول القائل:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم

الجاهل مرتاح، أكلف ما عليه أن يصدق إشاعة، يتبع صيحة، يتبع ناعقاً، لكن العاقل من الصعوبة أن يقبل، ومن الصعوبة أن يصيح إذا صاح الناس، ومن الصعوبة أن يتابع الناس فيما يقولون؛ لأنه ينظر في أمور لا ينظر إليها الصغار أو لا ينظر إليها الطغام والعوام والجهلة.