للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستعداد للموت وسكراته]

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وفارق الدنيا وقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عباد الله: سمعتم عن وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما تغشاه من الكرب والآلام، وهو أفضل من وطئت قدمه على الأرض قاطبة، ومع ذلك كان يلاقي ويعاني من سكرات الموت، ويضع يده في كوب فيه ماء بارد، ويمسح على وجهه ويقول: (اللهم أعني على سكرات الموت).

فهل بعد ذلك يرجو أحد تخفيفاً فيها إلا من تداركه الله برحمته؟ وهل بعد ذلك يظن أحداً أنه سيكون أهون ألماً في وفاته من وفاة أفضل الأنبياء وسيد المرسلين وأفضل الخلق أجمعين، محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا يكون ذلك أبداً إلا لمن زاده الله كرامة، ولا كرامة لأحد فوق ما أكرم به صلى الله عليه وسلم.

معاشر المؤمنين: استعدوا لما أنتم قادمون إليه، فإن الموت لا يعرف كبيراً ولا صغيراً، إن بعض الناس حين يسمعون الموعظة أو شيئاً عن الموت فإنهم يتوجهون بذلك إلى كبار السن، يظنون بذلك أن الحديث موجه لمن ابيضت لحاهم من الشيب، واشتعلت رءوسهم شيباً، وما علموا:

إن الموت لنا بالمرصد إن لم يفاجئ اليوم فاجأ في غد

كم من رجل دفن أولاده جميعاً وكان أطولهم عمراً، وكما تقول العرب: وكم من ناقة شربت في جلد حوارها، فكم من رجل قد عاش دهراً وولد له بنين وحفدة ودفنهم جميعاً، وعاش بعدهم ثم توفي بعدهم.

عباد الله: إن الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، إن الموت لا يعرف عزيزاً أو حقيراً، إنما هي آجال يقسمها الله جل وعلا: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤].

معاشر الشباب: أعدوا للموت عدته.

يا أبناء الأربعين: كهولاً.

ماذا قدمتم وقد انتصفتم في الأعمار أو جاوزتم الثلثان؟ يا أهل الخمسين: زروع قد دنا حصادها.

يا أهل الستين: أعمار أمة محمد بين الستين والسبعين، هلموا إلى الحساب.

يا أهل السبعين وما بعدها: ماذا قدمتم وماذا أخرتم، تفكروا وانظروا فيما أنتم قادمون عليه، وانظروا فيما ستقبلون عليه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وما بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار، فأعدوا لهذا المصير عدته، واستعدوا له أعظم الاستعداد، فإن البشر لا شك منتهون، وإن البشر لا شك يفنون والباقي هو الله وحده لا شريك له.

فاستعدوا لذلك -يا عباد الله- ولا تضيعوا أوقاتكم بالغفلة واللهو، ولا تضيعوا ساعات ليلكم ونهاركم بالغفلة عن مصيركم، وتذكروا واجعلوا الموت أمام أعينكم.

إن الموت قاطع اللذات، وإن الموت ليشخص للإنسان في أعظم لذة، فيكدرها عليه، وشأن الله في هذا عظيم، لكي لا يأنس الإنسان بهذه اللذة وليعلم أنها منقطعة، وإن تلذذ بها سويعات أو أيام معدودة، فإنه يشخص الموت بين عينيه، فيذكر أن الموت لا شك مختطفه، وبعد ذلك يعلم أن اللذة والنعيم في الخلود والنعيم المقيم، فيشتاق إلى نعيم لا ينقطع، يشتاق إلى خلود لا موت فيه، يشتاق إلى صحة لا مرض فيها، يشتاق إلى شباب لا هرم بعده، يشتاق إلى عزة لا ذلة بعدها، يشتاق إلى قوة لا ضعف بعدها، يشتاق إلى كل ذلك ويعلم إنما هو في الدار الآخرة، وليس في الدنيا، لأنها دار كدر ودار نكد.

طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار

فإذا علم الإنسان ذلك اشتاق واستعد للآخرة، لكي ينال من نعيمها المقيم، ويفوز برضوان ربه في جنات النعيم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، والشيوعيين والنصيريين، والفسقة والمجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين! وبقدرتك يا جبار السماوات والأرض.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرِّب له من علمت فيه خيراً له، أبعد عنه من علمت فيه شراً له في دينه ودنياه وآخرته، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، ولا تفرح الأعداء عليهم، ولا تشمت الحساد بهم، وارفعهم وانصرهم بكتابك وسنة نبيك.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع موتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك.

اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد.

اللهم هون علينا سكرات الموت، اللهم هون علينا سكرات الموت، اللهم اجعل خير أيامنا يوم لقائك، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، برحمتك يا أرحم الراحمين!