للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البحث عن اللذة من دوافع اللهث]

ومما جعل شريحة من أبنائنا وشبابنا وشاباتنا يلهثون وراء ألوان المعاصي والشهوات، وبعضهم في ألوان الفواحش والمنكرات أنهم يتعاطون اللذة، فإذا انتهى طعم اللذة بحثوا عن لذة جديدة.

مثال ذلك: تجد إنساناً مدمناً على التدخين، وتجده ما يسمع بلون من ألوان التدخين إلا ويجربه، وتجده مغرماً بأنواع التبغ والدخان الذي -مثل ما يقول- يجعل رأسه يكيِّف، ولست أدري معنى يكيف؟ يعني: يبرد؟ نحن نعرف التكييف أنه يبرد، لكن تجده عند حد معين يأنف، يقول: التدخين هذا ما أصبح يؤثر شيئاً في رأسي، إذاً ما الحل؟ الحل أن ندخن سيجار، السيجار أقوى تركيزاً من السيجارة، فتجده يدخن سيجار وبعد السيجار ينتهي، يعني يستخدم السيجار مدة ثم ينتهي إشباع لذة السيجار فيبدأ يقول: ماذا لو أننا استغنينا عن مشاكل تكييف الدماغ عن طريق الإحراق والتدخين نجرب نوعاً من الحبوب، حبوب سيكونال أو حبوب كابتيجول أو حبوب -هناك حبوب يستخدمها أصحاب المخدرات- اسمها ملكواشيجرا، طبعاً شجرا منطقة في الوشم لكن هذه الحبوب مجرد أن الواحد عندهم يأخذ حبة يصبح يرى شعلة الحرية في نيويورك وهو في مكانه، ويرى برج إيفل في فرنسا، ويرى جسور اليابان، يتوهم أنه يراها وإلا في الحقيقة هو لا يرى إلا وجهه الذي امتلأ بالمعاصي، ويرى يده التي اقترفت الآثام، ورجله التي مشت إلى الخطايا، لكن مثل ما يقول الشاعر العربي قديماً:

وإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير

الخورنق: هذا قصر كسرى، والسدير: هذا قصر قيصر، يقول:

إذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير

إذا صحوت من هذا الشراب أدور عن القصر الذي كنت أتمشى فيه أطيح في البغل الذي قاعد هنا في مربضي، أو أطيح في الجمل أو العنز التي كانت قاعدة بجانبي، هكذا:

فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير

فكثير من هؤلاء نتيجة للإشباع المتناهي للذة يستخدم التدخين ثم تنتهي لذة التدخين، ثم يستخدم السيجار فتنتهي لذة السيجار، ثم يبدأ بالحبوب فتقف لذة الحبوب مع التعطيب والإشباع، الدم يستهلك ويطلب زيادة، فبدلاً من أن يستخدم حبة حبتين، وبدلاً من حبتين ثلاث، وبدلاً من ثلاث أربع، حتى تراه كالمجنون، وترى أمامك بشراً لكنه يفكر تفكير البهائم، بل إن بعضهم كما عرض علينا طبيب من الأطباء في إحدى المعامل ويشرح بشرائح البروجكتر يقول: مما يصيب المدمنين على هذه الحبوب أن أحدهم يتوهم القدرة الخيالية، بمعنى يظن أنه يستطيع أن يمد يده هكذا ويلوي العمود لويتين ثم يسقط السقف، يصل إلى درجة والعياذ بالله من الهستريا وهذا الأمر الذي يفسر كثرة حوادث السيارات من الذين يستخدمون حبوب الهلوسة وسائقي الناقلات وبعض عمال المصانع الذين بعضهم ربما انقطعت يده تحت المنشار وهو يظن أن يده بعيدة؛ لأن من آثار هذه الحبوب عدم السيطرة على الجوارح وعدم القدرة في التحكم.

ثم ماذا بعد ذلك؟ تنتهي إشباعات الحبوب فيبدأ إلى إشباع الشم، لأن السيجارة والسيجار والحبوب لم تعد تعطينا لذة، نبحث عن لذة جديدة لأن اللذة متناهية، اللذة انتهت فنريد لذة جديدة فيذهب إلى الكوكايين المسحوق ثم يأخذه ويشمه، فإذا شم أول شمة ضيع، قال: مضبوط هذا هو الذي ينفع، فيشم مرتين وثلاثاً وفي الخامسة تنتهي إشباع الكوكايين فيحتاج أن يزيد الكوكايين أو يخلطه بشيء من الهروين ويحقنه في الوريد، ومع كثرة حقن الهروين في الوريد يصير عند النفس إشباع تريد مزيد، ورأيت بعيني صوراً لشباب من اللاهثين وراء المعاصي والمخدرات أصبح يأخذ الإبرة ويجر جفن عينه ويدخل الإبرة هنا تحت جفن العين حتى تكون أقرب إلى الدماغ وسرعة التكييف؛ من شدة -والعياذ بالله- اللهث والجري وراء اللذة الموهومة.

إذاً: فحينما نتكلم عن اللاهثين لا نتكلم عن إنسان من أول مرة بدأ بالكوكايين والهروين، ولا نتكلم عن إنسان من أول مرة بدأ بالزنا لا، كان لأولئك بدايات بدأت بالتدخين، مرت بالسيجار، عبرت الحبوب، انتهت إلى الكوكايين، وانتهت إلى نهاية الوفاة.

ومن مدة كنت في مدينة من المدن في الفندق فأخبرني أحد الشباب -نزلاء الفندق- قال: منذ يومين وجد شاب في هذا الفندق دخل عليه أهله بعد أن اتصلوا به مراراً ولا يرد، وسألوا الفندق عنه قالوا: والله ليس مفتاح حجرته عندنا حتى نقول خرج.

فاقتحموا عليه باب الحجرة فوجدوه هكذا منكفئاً على وجهه والإبرة -إبرة حقن الهروين- في يده، وجدوه ميتاً على هذه الحال.