للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبيات شعرية تصف الموت والقبر]

هذه الرحلة أيها الأحبة! وهذا الوداع، وهذا الفراق، وهذه الغربة التي لا أنيس ولا جليس ولا حديث، سوى العمل الصالح، والله إنها الغربة، ليست غربة الأوطان، ولكنها غربة الأبدان في الظلمات، وغربة الأشلاء بين الدود والتراب.

ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن

إن الغريب له حقٌ لغربته على المقيمين في الأوطان والسكن

لا تنهرن غريباً حال غربته الدهر ينهره بالذل والمحن

سفري بعيدٌ وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني

تمر ساعات أيامي بلا ندم ولا بكاء ولا خوف ولا حزن

يا معاشر المؤمنين: ما أحلم الله، إن الله حليمٌ علينا!

ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني

أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني

يا زلةً كتبت في غفلة ذهبت يا حسرةً بقيت في القلب تحرقني

دع عنك عذلي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني

دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتفكير والحزن

دعني أسح دموعاً لا قياس لها فهل عسى عبرة منها تخلصني

كأنني بين تلك الأهل منطرح على الفراش وأيديهم تقلبني

كأن ما كان حولي من ينوح ومن يبكي عليَّ وينعاني ويندبني

وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطب في ذا اليوم ينفعني

واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هون

وأخرج الروح مني في تغرغرها وصار حلقي مريراً حين غرغرني

وسل روحي وظل الجسم منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني

وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفن

وقام من كان أولى الناس بي عجلاً إلى المغسل يأتيني يغسلني

وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطن

فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني

وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الماء يغسلني

وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن

وألبسوني ثياباً لا كمام لها وصار زادي حنوطي حين حنطني

وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني

صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني

وأنزلوني في قبري على مهل وأنزلوا واحداً منهم يلحدني

وأكشف الثوب عن وجهي لينظره وأسبل الدمع من عينيه أغرقني

فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وأطرح اللبن من فوقي وفارقني

وقال: هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الجبار ذي المنن

بكيت لما كساني الترب منجدلاً صار التراب على ظهري فأثقلني

في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ صديق ولا أخٌ يؤانسني

وأودعوني ولجوا في سؤالهمُ ما لي سواك إلهي من يخلصني

وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت من هول مطلع ما كان أغفلني

من منكرٍ ونكير ما أقول لهم إذ هالني منهم أمر فأفزعني

جاءك منكر ونكير وقال لك: ماذا عملت في دنياك؟ تقول: نمت الليل إلى وقت الدوام، بعت أفلام الملاهي وأشرطة الفيديو، بعت آلات الطرب، سهرت مع الأصدقاء، ضيعت صلاة الجماعة، اشتغلت بالغفلة، طربتُ للغناء، نسيت ذكر الله، غفلت عن قبري.

وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت من هول مطلع ما كان أغفلني

من منكرٍ ونكير ما أقول لهم إذ هالني منهم أمر فأفزعني

فامنن عليَّ بعفو منك يا أملي فإنني موثق بالذنب مرتهن

تقاسم الأهل مالي بعد ما انصرفوا وصار وزري على ظهري يثقلني

واستبدلت زوجتي بعلاً لها بدلي وملكَّته على مالي وفي وطني

وصيرت ولدي عبداً ليخدمه وصار مالي له ملكٌ بلا ثمن

فلا تغرنك الدنيا وزينتها وانظر إلى أهلها في الأهل والوطن

انظر إلى من حوى الدنيا ليجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن

انظروا إلى الملوك، انظروا إلى الأثرياء، انظروا إلى الحكام، انظروا إلى الرؤساء، انظروا إلى أرباب الأموال، هل جعلوا في القبر معهم رصيداً؟ أو وقف على القبر لهم حارساً؟ أو جعلوا في اللحد معهم خادماً؟

انظر إلى من حوى الدنيا ليجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن

خذ القناعة في دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن

يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.