للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الضياع والهلاك يبدأ من معصية صغيرة]

ربما نجد شاباً من الشباب، يقع في فترةٍ من الفترات، وفي وقتٍ من الأوقات ضحية جلساء السوء، أو بداية المخدرات، أو فعل أمور لا تليق، أو ارتكاب شيءٍ من الفاحشة، أو الوقوع في أمرٍ من الخنا، ولكن بهذه الكلمة، بإذن الله عز وجل التي تنفذ إلى سويداء قلبه، وببقية الإيمان الباقية التي تنتعش وتتحرك، لتقول له: أفق وانطلق وقم وانفض غبار النوم، فقد مضى ما مضى من اللهو والغفلة، وقد آن لك أن تستقبل حياةً جادةً مشرقة.

أيها الشباب: إنه لا يوجد شابٌ على وجه الأرض نام في ليلةٍ من الليالي صالحاً ثم أصبح فاسقاً فاجراً، لا يوجد شاب بات ذات ليلة بريئاً أمينا ثم أصبح غادرا ًخائناً، لا يوجد شاب بات في ليلة من الليالي على طهرٍ وعفافٍ وصلاحٍ واستقامة ثم فجأةً أصبح خبيثاً سيئاً مجرماً ضالاً مضلا، لا يوجد أحدٌ ينحرف فجأة، ولكن الانحراف والمصائب والجرائم التي رأينا صورها ورأينا في هذا المعرض ما يدل عليها، إنما جاءت درجات، وجاءت خطوات، كما قال تعالى: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:١٦٨].

الحلال فيه غنيةٌ عن الحرام، والحلال من كل شيء، الحلال من القول يغني عن الحرام من القول، والحلال من الطعام، يغني عن الحرام من الطعام، والحلال من المرئي والمسموع والمقروء يغني عن الحرام من المرئي والمسموع والمقروء وغيره.

إذاً أيها الشباب: نريد أن ننتبه أن الواحد على خطر، ومبدأ الخطر إشارةٌ يسيرة قد لا يتلفت لها بعض الشباب، ثم هي التي تقوده إلى ذلك، لو أننا مثلاً ذهبنا إلى سجون المخدرات، وزرنا شاباً في زنزانة، وقلنا له: ما الذي جعلك الآن خلف القضبان وغيرك من الشباب يستمتعون بالحرية؟ ما الذي جعلك لا تتحرك إلا في هذه المساحة الضيقة وغيرك ينطلقون كالطيور يغدون ويروحون؟ ما الذي جعلك في هذه الحال من المذلة والهوان وغيرك يعيش العز والكرامة؟ ما الذي جعلك في هذه الحال من سوء السمعة، وكلٌ يتجنبك ولا يرضى أن يصاحبك، بل لو خطبت ما زوجوك، ولو أردت أن تتعامل ما عاملوك؟ لماذا؟! الجواب شيءٌ واحد: أنه استهان ببدايةٍ خطيرة وهي المعصية، ثم لا زال مصراً عليها، ولا زال متكئاً عليها، ولا زال يصبح ويبيت ويظن أنها ذكاء، وأنها فطنة أن يكون أمام الناس كالحمل الوديع البريء الذي لا يرتكب شيئاً، ثم إذا خلا بنفسه، ارتكب ألوان الذنوب، وفنون المعاصي وأشكال المخالفات الشرعية، إذا خلا بنفسه أو مع أقرانه، أو مع أترابه، أو بعض من زملائه من جلساء السوء، لا تظن أن شيئاً يظل خفياً أبداً.

ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ

أيها الشباب: ينبغي أن تعلموا أنه إن لم تستعينوا بالله عز وجل وتحافظوا على أنفسكم، فإنه لا يوجد في الصيدليات ولا في باندا ولا في العثيم ولا في سوق الخضرة، لا يوجد طعام أو شراب أو دواء إذا أكلته أصبحت محصناً من الشر، وبمأمنٍ من الجريمة، وفي أمانٍ من الفساد والانحراف أبداً!! لا يمكن أن تحافظ على نفسك بعد فضل الله ورحمته وعونه، لا يمكن أن تحافظ على نفسك إلا بمجاهدة هذه النفس:

والنفسُ كالطفلِ إن تهمله شب على حب الرضاعِ وإن تفطمه ينفطمِ

النفس لابد أن تجاهدها مجاهدة، الشاب الذي وقع في التدخين كيف يقلع عن التدخين؟ هل يوجد شراب يشربه ثم يصبح يكره التدخين؟!! مساكين هؤلاء الذين يظنون أنه بوسعه بمجرد أن يأكل حبوباً أو كبسولات، أو شراباً أو يأخذ إبرة من الطبيب أنه بهذا سوف يقلع عن التدخين مرةً واحدة، أبداً هذا مستحيل، ولا يمكن أن يقلع، إلا إذا تاب إلى الله عز وجل وعلم أن فعله حرام، ورافق ذلك نية صالحة صادقة، ومجاهدة وعزيمة لمجاهدة النفس للإقلاع: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].

لا تتصور أن شاباً وقع في الفاحشة الخلقية التي نستحي أن نتكلم عن اسمها أو تفاصيلها، لا تتصور أن شاباً وقع في ذلك بأنه يمكن أن يقلع عن ذلك، لأنه أراد أن يشرب شراباً أو يطعم طعاماً ثم ينتهي من ذلك، أبداً، هذا مستحيل، لا يقلع أحد عن ذنبٍ أو معصية إلا إذا جاهد نفسه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].