للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المسلم مأمور بالتفاؤل]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله: إننا قد علمنا في شرعنا المطهر، ومن ديننا الحنيف، ومن كلام ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وهي وحي يوحى: أن المسلم مأمور بالتفاؤل، ومنهي عن الطيرة والتشاؤم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا طيرة، وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) رواه البخاري، (وكان صلى الله عليه وسلم، يعجبه الفأل ويكره الطيرة) رواه ابن ماجة، (وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته، يعجبه أن يسمع يا نجيح أو يا راشد) رواه الترمذي وقال: حسن، (وكان صلى الله عليه وسلم لا يتطير من شيء أبداً، وإذا أراد أن يبعث عاملاً، يسأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه، فرح به).

أيها الأحبة: كل ذلك مما يجعلنا نتفاءل بالأمر شيئاً فشيئاً، ورويداً رويداً، وأن نبصر في الأمور أجمل ما فيها، فأنت إذا رأيت كأساً ليس فيه من الماء إلا نصفه، لك أن تقول: هذا كأس نصفه مليء بالماء، ولك أن تقول: هذا كأس فارغ نصفه، والعبارة واحدة، ولكنها تختلف بحسب تفاؤلك أو تشاؤمك.

تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير

ذماً ومدحاً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير

وذكر أن معبراً قال لرجل أو ملك من الملوك رأى رؤيا مفزعة، والرؤيا أن ذلك الملك أو الرجل رأى أن أسنانه سقطت، فقال المعبر: يموت قومك كلهم ولا يبقى إلا أنت، فانزعج الرائي من الرؤيا وأفزعته وجعلته ضجراً، فعرضها على معبر آخر، فقال: أبشر بطول عمرك، أنت أطول قبيلتك وقومك عمراً، فإن التعبير في الحالين في مؤداه واحد، ولكن من أراد أن يعبر متفائلاً، فله، ومن أراد أن يعبر متشائماً، فعليه.

فواجبنا -أيها الأحبة! - أن ننظر إلى جوانب إيجابية وإلى مواقف طيبة في مجتمعنا بجميع طبقاته وأصنافه، أولسنا نتفاءل في قليل من الخير نراه في بلاد الكفار خلال جامع صغير، أو مركز إسلامي، أو مدرسة شرعية؟ فما بالنا وعندنا من الخير الكثير الكثير، ولا يخلو مجتمعنا من الخطأ والكبيرة، لكن ينبغي أن نتفاءل بالخير ليتعاظم، وأن نتوجه إلى الأخطاء وإلى الكبائر لإنكارها بكل سبيل مشروع يفضي إلى إصلاح الأمر، وتعبيد الناس لله على اجتماع شمل ووحدة صف.

واجبنا أن نتفاءل -يا عباد الله! - إن الشدائد مهما تتابعت فما بعدها إلا الفرج، فلا تيئسوا من صلاح مجتمعكم، وادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة

فكل الحادثات وإن تناهت فموصولٌ بها فرجٌ قريب

روي عن الحسن البصري أنه قال: [عجباً لمكروبٍ غفل عن خمس، وقد عرف ما جعل الله لمن قالهن: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٥ - ١٥٧]] فنحن عند الفتن والمصائب أمرنا بالصبر وبالتجلد، مع القيام بما أوجب الله علينا من الدعوة بكل سبيل استطعناه أو قدرنا عليه.

ويقول الحسن البصري أيضاً في عداد الخمس التي يعجب لمن يجزع وعنده من الفرج فيهن بما ذكره الله في كتابه، قال: [والثانية {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣]، وقول الله عز وجل: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:٤٤ - ٤٥] وقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٤٧ - ١٤٨]].

وروي عن الحسن أنه قال: [من لزم قراءة هذه الآيات في الشدائد، كشفها الله عنه لأن الله قد وعد وحكم فيهن بما جعله لمن قالهن، وحكمه لا يبطل ووعده لا يخلف عز وجل].

ثم إن نبينا يأمرنا بأن نفعل وأن نجتهد في هذا من خلال ما يقوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة -فرخ صغير من فراخ النخل أو فروخها- فاستطاع ألا تقوم -أي: الساعة- حتى يغرسها، فليغرسها فإن له بذلك أجراً) سباقٌ مع الزمن حتى والساعة على وشك القيام، إن قامت الساعة وفي يدك فسيلة فبادر إلى غرسها، ولو كانت الساعة ستقوم بعد آخر ذرة تحثوها لتدفن هذه الفسيلة، أو لتضعها في التراب انتظاراً لثمرتها.