للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دقيقة تمضي في ذكر الله]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

أيها الأحبة: إنني في مقدمة هذا اللقاء أقول: لعل أحبابنا اختاروا عنواناً وهو سابقٌ لمسمىً سلف: أيها الشاب! حاول وأنت الحكم محاضرة كانت في المعهد المهني لفئةٍ يقتضي الخطاب توجيه الحديث إليها على النحو الذي سمعتموه، ولعل من بين أحبابنا وشبابنا من يحتاج إلى تكرار الخطاب بلغة أخرى، وعبارة مختلفة، وفكرة متجددة، وما القصد إلا ابتغاء وجه الله جل وعلا، وما الغاية إلا الدعوة إليه بالحسنى، فنسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم السداد في القول والإخلاص في العمل، أسأله جل وعلا ألا يفتنا، وألا يفتن بنا، وألا يجعلنا وإياكم فتنةً للظالمين.

أيها الشاب! أيها الأخ الحبيب! من منطلق الحرص أتحدث إليك، والله من منطلق النصيحة أتكلم بين يديك، كلاماً من القلب خالصاً عساه يصل إلى قلبك مخلصاً، وإياك واحذر أن تجعل بيني وبين قلبك شهوات تحول، أو شيطان يشكك، أو ريبة تتردد، فحينئذٍ يحال بينك وبين الموعظة والنصيحة.

أيها الشاب! قد أقسو عليك في هذه العبارة، وما قسوت إلا حباً لك.

قسا ليزدجروا ومن يكُ راحماً فليقس أحياناً على من يرحم

وقد أعاتبك وتعاتبني

لعل عتبك محمود عواقبه فربما صحت الأبدان بالعلل

أيها الشاب: إنها دقائق ستمضي هذا اليوم من عمري وعمرك، وتذكر أنا وإياك في هذا المسجد أننا سنمضي ساعةً، أو ما يزيد على الساعة، وتأمل أن غيرك من الشباب بعضهم يداعب أوتار عوده، والآخر يطبل على جلد طبلته، والثالث يترنم على أنغام موسيقاه، والرابع يقلب البصر في صورته، والخامس يردد النظر في شاشة فيها فيلم خليع، أو أمر رقيع، أو شيء لا يليق إنها ساعة مضت عليك في هذا المسجد، ومضت على غيرك سواءً على رصيف، أو في غرفة، أو في غفلة، أو في سر أو علانية.

وإني في بداية هذا المحاضرة أدعوكم لكي نسكت دقيقةً واحدةً على سبيل المثال، وأريد من كل واحد منكم أن يذكر الله خلال هذه الدقيقة، وسأبدؤها موقتاً هذه الساعة من الآن لكي نذكر الله سبحانه وتعالى، فاذكروه سبحانه لكي نصل إلى نتيجة معينة.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، ونبوء لك بنعمك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافيةً، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، لا إله إلا أنت، سبحان الله عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

أيها الأحبة: انتهت هذه الدقيقة، وقصدت بذلك ضرب المثال أن هذه الدقيقة سجلت علينا وعليكم، وكتبت لنا ولكم، وسطرت بين أيدينا وبين أيديكم بإذن الله ومنه وفضله ومشيئته ورحمته في موازين أعمال صالحة، وفي كفة حسنات، ولقد مرت هذه الدقيقة على قوم يغتابون، أو قوم يزنون، أو قوم يسرقون، أو على اللهو يتفرجون، أو إلى الباطل ينظرون، أو إلى الغناء والخنا يستمعون، هكذا العمر أيامٌ وساعاتٌ ودقائقٌ وثوان، فإنها دقيقةٌ أودعتها كنزاً من عمل صالح؛ من تسبيح وتهليل وتذكر، ثم مضت وكتبتها الملائكة الكرام الكاتبون، وأودعتها، وستجدها وتلقاها: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:٣٠] وسيلقى الغافلون في تلك الدقيقة التي صمتنا فيها ذاكرين، سيلقون ما كانوا يعملون، وسيجزون ما كانوا يكسبون.