للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته]

وعن يزيد قال: أخبرنا زكريا عن أبي إسحاق قال: حدثني أبو عبد الله قال: قلت لـ عائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في آله؟ قالت: [كان أحسن الناس خلقاً، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح].

أين الناس من هذا الخلق وهذه الشمائل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أهله؟ فلم يكن سباباً، ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا يجزي بالسيئة مثلها، إن من الناس من يتعوذ أهله من سوء لسانه وسلاطته، ومن شر لسانه وخبثه، فمن الناس من لو انكسر كأس لسب، ولو انكفأ قدر لشتم، ولو انشق ثوب للطم، ولو تغير حال لضرب، أين هو من إمامه وحبيبه وقدوته ونبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي ما كان فاحشاً؟ يعني: لا يقول فحشاً من القول، ولا يلفظ بالفاحش أو البذيء أو الرديء من الكلام.

إن من الناس من تعود هذا الفحش وهذه البذاءة والغلظة، وإن من شرار الناس من تركه الناس اتقاء فحشه.

ومن الناس من هم على طائفتين في هذا: فبعضهم تجد لساناً أحلى من العسل، وأبيض من القطن، وألين من الماء، فإذا كان عند أهله وجدت سباً وشتماً، كريم بكل خلق، وبكل قول وكلام لين، وبكل منطق عذب مع الناس أجمعين إلا مع زوجته، إلا مع أبنائه، إلا مع أولاده، إلا مع بناته فإنه لا يطيق أن يسمعهم كلمة طيبة.

ما هذا الانفصام؟! وما هذا التناقض؟! ولماذا يعامل الناس معاملة وتعامل الزوجة والأهل معاملة أخرى؟! والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان فاحشاً ولا متفحشاً ولا بذيء اللسان.

وطائفةٌ منهم من يفتخر أنه بذيء اللسان، فاحش في القول مع الناس ومع أهله، مع القريب والبعيد، ويعدها من الفصاحة ومن البيان، ويعدها من اللجاجة والقدرة على إسكات الخصوم، وليس هذا والله بحق، وليس هذا والله من الدين في شيء، بل الدين كل الدين فيما ورد عن رب العالمين وسنة إمام المرسلين في وصفه وشمائله: ما كان فاحشاً وما كان متفحشاً، وما كان بذيء اللسان صلى الله عليه وسلم.

تقول عائشة: [ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة له قط ولا خادماً، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله] قالت: [وما نيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فانتقم إلا أن تنتهك محارم الله فينتقم لله] قالت: [وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار الذي هو أيسر إلا أن يكون إثماً، فإنه كان إثماً كان أبعد الناس منه].

فانظروا في شأنه صلى الله عليه وسلم: ما ضرب بيده امرأة قط، ومن بيننا ونحن المسلمين من يجلد امرأته جلد البعير، ويؤذيها ضرباً وسحباً على وجهها، ويذيقها ألوان البلاء والأذى، أهذا من الدين في شيء؟ أعلمك الإسلام هذا أم وجدت هذا في سنة نبيك؟ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] وإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب بيده امرأة قط مع أن ضرب النساء جائز بعد الموعظة والهجر: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:٣٤] وهذا الضرب غير مبرح.

ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك عن ضرب النساء، جاء رجال من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! زئرن النساء على أزواجهن.

أي: كأن بعضهن تطاولن على أزواجهن، فأذن لهم بضربهن ضرباً غير مبرح، ثم قال عن الذين يضربون: (وما أولئك بخياركم) يعني: أن العاقل وأن خيار الناس وكرامهم من يستطيعون أن يصلحوا الأحوال وأن يصلحوا أمورهم دون أن يلجئوا إلى ذلك، وإن لجئوا إليه فبقدر ما يحتاج البدن إلى الدواء دون تطاول.