للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر]

كانت أرغب أن أحضر معي هذه الليلة فناناً من الفنانين، ومطرباً من المطربين، في مدينة من مدن المملكة، يقول لي وزارني في البيت، ورسالته عندي، ومع زيارته لي يقول: كنت أول من فتح محل الفيديو في مدينتي، وكنت أسهر في هذا المحل من فلم مصارعة النساء إلى رقصات النساء، ومن فلم المطاردات إلى فلم الجنس، ومن فلم الخلاعة إلى فلم الشذوذ، وهكذا كانت حياتي، وزيادة على ذلك يقول: كنت مطرباً، أعزف العود عزفاً أنافس فيه أحسن المطربين، وكنت شاعراً أقول الشعر بنوعيه فصيحه ونبطيه، وما كنت أحب أحداً من أهل الخير، وإذا رأيت متديناً تجهمته، وإذا رأيت ملتحياً كرهته، وإذا رأيت مستقيماً أعرضت عنه، فأحدث في نفسي أمراً عجيباً جعل الناس يضجرون مني، حتى جاءني ذات ليلة شابان أول ما رأيتهما، يقول: تمنيت لو رأيت الشيطان وما رأيتهما، وهم من أهل الخير! لكن ليس عجيباً إذا استحكمت المعاصي وأصبحت القلوب غلف إلى درجة مغلقة: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥].

قال: جاءني شابان سيماهم في وجوههم من أثر الطاعة، وإكرام لحاهم، وحسن سمتهم، وهدي سلوكهم، قال: فلما جاءا إليّ قلت لهما: ماذا تريدان مني؟ عندي فيديو، عندي عود، عندي شعر، وأقول شعراً نبطياً خليعاً، يقول: والله كنت أتغزل والعياذ بالله إلى درجة الإفساد والتشبيب، وأحكي قصصاً مفصلة، كما لو كنت فعلتها وهي لم تفعل.

قال: فلما جلسا إليّ، قالا لي: السلام عليكم، قلت: وعليكم السلام، ماذا تريدان؟ قالا: يا أخي! نريد أن نسمع منك قصيدة، ما عندك قصيدة؟ قال: بلى عندي قصيدة، قالا: نسمع بالشارع؟! نريد أن ندخل عندك ونسمع قصيدة، نسمع قصيدة على الرصيف؟! لا يصلح، قال: فدخلا عندي، وكان عندي شقة مخصصة فقط للفساد والمعاصي -والله يا شباب- قال: فلما دخلا عندي وأردت أن أعرض ما عندي عليهما عرضا عليّ بضاعة كسرت مغاليق قلبي: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:٢١].

قالا: اسمع منا، اسمع منا؟ فأسمعاه كلاماً ثم خرجا من عنده، قال: فبت تلك الليلة وأنا على أمر عجيب، ضيقة في صدري، وقلق في نفسي، وتناقض في كواملي، حالةٌ لا أستطيع أن أصفها من نفسي.

قال: فتذكرت شيئاً من كلامهما، وقلت: ماذا لو ذهبت إلى المسجد؟ قال: فذهبت وتوضأت -قال: والله قد كان يمر عليّ أربعة أيام وأنا جنب، لا يغتسل والعياذ بالله- قال: فتوضأت وذهبت إلى المسجد، فلما دخلت كأن شيئاً دخل في جوفي، أرى منه إشراقاً ونوراً، وكان والدي هو إمام المسجد، فلما دخلت قبل أبي إلى المسجد في صلاة الفجر، إذا بأبي يفاجأ عندما رآني في المسجد، فما كان من والدي إلا أن رفع يديه، وقال: اللهم اهده.

الأمل في الله عظيم -أيها الشباب- لا نيئس من هداية إخواننا، الأرصفة مليئة، ولكن الشباب الذين على الأرصفة فيهم خير كثير بإذن الله جل وعلا، ومتى يتفجر هذا الخير هدىً ودعوة وصلاحاً واستقامةً وأمراً بخير ونهياً عن شر؟ يوم أن يكون لكم هذا النشاط، إذا أتيت إلى هذا المكان، ائت بواحد منحرف أو اثنين فقط، نريد من كل واحد أن يأتي بواحد معه، حتى تسمعه كلام الله، وتقيم عليه الحجة، وتبين له المحجة.

يقول: فلما بدأت أصلي كنت كالذي يتذكر شيئاً فقده من زمان وهو أني لم أكن أصلي، قال: فلما هويت ساجداً إذ بأمرٍ ينتابني، قال: فسال دمعي وأنا أصيح وأقول: يا الله! يا الله! يا الله! اهدني وافتح على قلبي، اشرح صدري، يا خالقي! يا رب! قال: أخذت أناجي الله جل وعلا بكل ما تيسر على ذاكرتي من اسم أو صفة لله جل وعلا، قال: فلما رفعت من السجدة الأولى، إذ كأن صدري هذا قد شق وأدخلت الدنيا فيه من ساعتي.

قال: فلما عدت إلى السجدة الثانية وفيها من البكاء والنحيب والتضرع والانكسار ومناجاة الله جل وعلا.

يأيها الشباب! يقول ربنا جل وعلا: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢] وهل هناك ضرورة أعظم من ضرورة الضال إلى الهداية؟ وأعظم من حاجة الضال إلى الهداية، هل هناك ضرورة أعظم من حاجة المنحرف إلى الاستقامة؟ وهل هناك ضرورة أعظم من حاجة الذي لا يصلي في المسجد من صلاته إليها؟ هل هناك ضرورة أعظم من حاجة الذي امتلأ رأسه وقلبه وجوفه ودماغه بالغناء ومزمار الشيطان أعظم من حاجته إلى كلام الرحمن؟ {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢].

حاجتك إلى دينك أعظم من حاجتك إلى الطعام والشراب، حاجتك إلى معرفة ربك أعظم من حاجتك إلى الطعام والشراب، أخي! قلت لك في بداية الكلمة، إن الله كرمك، وأسجد الملائكة لأبيك، وفضلك على كثيرٍ ممن خلق، ولكن متى؟ يوم أن تهتدي بهداية الله، وإلا إن ضللت عن نهج الله وطريق الله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:١٧٦] يوم أن يضل عن طاعة الله: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] يقول صاحبنا: فما كان مني بعد أن فرغت من تلك الركعتين إلا وقررت أن أترك المعصية إلى غير رجعة، فتخلصت من محلي ومن أشرطتي ومن شقتي، ومن أعوادي ومزاميري وما عندي، وأصبحت مؤذناً للمسجد خلف أبي، فلما كبر سن والدي أصبحت مؤذناً وإماماً.