للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإجازة بين الصلاح والفساد]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: معاشر المؤمنين! جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) فهذا سؤالٌ سيواجه كل مسلمٍ منا، فينبغي أن نعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً.

أيها الأحبة في الله! مر بنا الحديث في جمعةٍ ماضية عن وصول الإجازة وتباين آراء الناس وأفكارهم في قضائها، ومعلوم أن المسلم لا يعرف الفراغ في كل وقته، سواءً كان في عملٍ أو في إجازة، ومعلوم أن المسلم لا يعرف اللهو ولا البطالة؛ لأن المسلم لا يخلو في كل حالٍ من عبادةٍ يرضي بها الله جل وعلا، سواءً كان في ليلٍ أو في نهار في ذهاب أو في إياب، في حلٍ أو في ترحال.

أيها الأحبة! يواجه أبناؤنا إجازة طويلة، وهذه الإجازات قد تكون بالنسبة لبعضهم فتحاً إلهياً، ومنةً ربانيةً باستقامتهم وثباتهم وحسن إسلامهم، وتكون على البعض باباً إلى الهوى والشهوة، باباً إلى الفساد والغفلة، باباً إلى كل ما يجر البلاء والمصيبة عليه وعلى أفراد مجتمعه.

فأما الذين تكون لهم هذه الإجازات أبواباً إلى الاستقامة وحسن الفقه في دين الله، فأولئكم الذين أعدوا لسؤال المواجهة جواباً، الذين تذكروا يوم يقفون بين يدي الله جل وعلا، ليسألوا عن أعمارهم فيما أفنوها وعن شبابهم فيما أبلوه، أولئك الذين تكون لهم الإجازة منةً ربانيةً للهداية والاستقامة، أولئكم الذين عرفوا قيمة الوقت، أولئك الذين علموا أن الوقت هو الحياة وأن كل يومٍ يمضي إنما يقربهم للأجل، وكل شهرٍ ينطوي إنما يقودهم إلى المنية، وكل سنةٍ تمضي إنما تقفز بهم إلى دارٍ برزخية، فمن أيقن ذلك وعلمه وعلم أن قيمة الوقت مرتبطةٌ بالنهاية، مرتبطةٌ بالمصير والمواجهة، اجتهد أن يستعمل في طاعة الله ومرضاته، واجتهد أن يسخر وقته فيما ينفعه

يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا

كثيرٌ من الناس يفرح بمضي الليالي والأيام، أو الشهور والأعوام فرحاً بما ينتظره من حظوظ الدنيا وبما سيناله في مراتب هذه الدنيا الفانية، ولكن البصير الذي يفقه حقيقة الدنيا يعلم أن مضي الأيام فيها إنما يقربه إلى أجله، ومن أدرك أن منيته قد دنت واقترب أجله ومضى أعظم عمره، أو لا يدري ما الذي مضى وما الذي بقي فحريٌ به أن يعد ويستعد، حريٌ به أن يتزود لدار الرحلة ونهاية المصير، نسأل الله لنا ولكم حسن الختام.