للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقوق الجار المسلم]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين: يقول الله عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٣٦] الجار ذو القربى هو ما اقترب داره من دارك، والجار الجنب هو: الجار البعيد، والصاحب بالجنب هو: رفيقك في سفر أو مهنة أو علم أو عمل أو وظيفة، فكل أولئك قد وصى الله جل وعلا بهم، ونوه بحقهم وذكرهم صريحاً في كتابه، وعطفهم على عبادته، والأمر بتوحيده وعدم الإشراك به، والحث على بر الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، وما ذاك إلا لعظم شأن الجار، وما ذاك إلا لعظم منزلته ومكانته.

معاشر المؤمنين: إن كثيراً من الناس يجهلون حقوق الجوار، إن كثيراً من الناس لا يعرفون من الحقوق إلا أدناها وأيسرها، وما علموا أن حقوق المسلم على أخيه المسلم متعددة ومتنوعة ومختلفة المراتب، بحسب حال المرء من جاره، فإن كان جاراً مسلماً فله حقوق الإسلام وله حقوق الجوار، وإن كان جاراً ذا رحم فله حقوق الإسلام والرحم والجوار.

إذاً فما بال بعض الذين لا يدركون لهذه الحقوق أمرها، ولا يعرفون لها قيمتها؟ أيجهلون حقوق الجوار أم هم في غفلة من النصوص المتعددة من الآيات والأحاديث في هذا الباب؟ وما دام الجار مسلماً فله حقوق المسلم، ألا وهي التي جاءت في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم ست: إذا استنصحك فانصحه) إذا طلب منك النصيحة؛ فواجب عليك أن تخلص وأن تمحض النصح له.

(وإذا لقيته فسلم عليه، وإذا عطس فحمد الله فشمته) وإذا دعاك إلى وليمة أو مأدبة طعامٍ، وغلب على ظنك ألا يكون في هذا المقام منكر، أو ورد بخاطرك أن سيكون هناك منكر ولكن غلب على ظنك أنك تستطيع تغييره وإنكاره؛ فواجبٌ عليك إجابة هذه الدعوة (وإذا دعاك فأجبه، وإذا مرض فعده).

والعيادة هي الزيارة، وكثيرٌ منا يفقد جاره أياماً وليالي وشهوراً عديدة، ثم إذا لقيه تذكر أن له جاراً قد افتقد وجهه، أين أنت منذ زمن، بل لم لا تتفقد جارك؟ وقد يكون ذلك المرء معذوراً؛ لأن ذلك الجار الذي غاب وجهه عن المكان أو الحي أو الجوار، من الذين لا يشهدون المسجد ولا يشهدون الصلاة مع المسلمين، فلا غرو أن ينسى، ومن ضيع حق الله في العبادة؛ فلا يعجب إن ضيع الناس حقوقه في الجوار.

(وإذا مات فاتبع جنازته) هذا آخر حقٍ من حقوق المسلم على أخيه، إذ أن بعده لن تستطيع أن تقدم شيئاً أو تؤخر، فينبغي لكل مسلم إذا علم بوفاة جارٍ ولو بعيد، أن يبادر ما استطاع إلى اتباع جنازته، وشهود الصلاة عليه؛ لأنه لن يستطيع أن يقدم حقاً من حقوقه بعد ذلك.