للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا فائدة من صحة دون فراغ]

ثم تأملوا -أيها الأخوان- أن الصحة قد تكون موجودةً لكن لا يكون معها الفراغ، خذ مثالاً على ذلك: هل رأيتم عمالاً يحملون أكياس الرمل على ظهورهم؟ خذوا مثالاً على ذلك: العمال الذي يحمل الواحد منهم (الطوبتين) والثلاث (البلك) يحملها على ظهره من طلوع الشمس إلى مغيبها، ثم ترى الآخر يحمل أكياس الرمل على ظهره من الدور الأرضي إلى الدور الثالث والرابع، عنده صحة وعافية، لكن عنده فقر فذهب للبحث عن لقمة العيش، فإذا جاء المساء وحان المغيب وجدته لا يستطيع أن يتمالك نفسه واقفاً من شدة الإعياء والتعب، ثم إذا وضع رأسه على فراشه غط في نومٍ عميق يداوي بنوم الليل تعب النهار، لكن أنتم في عافية وفي فراغ وفي نعمة، لو كان الواحد فقيراً ما كان عنده وقت أن ينظر إلى الفيديو أو ينظر إلى معصية أو أن يضيع أوقاته في منكرٍ أو فاحشة.

يوم أن كنا في الحدود الصومالية في منطقة منديرا وما حولها والحدود الأثيوبية أيضاً في المجاعة التي لا يخفاكم شأنها، الناس هياكل عظمية من الجوع، والأقوياء من القوم يحفرون القبور ويدفنون الموتى، هذه حياة المخيمات، فكان بجواري أحد الأخوة فقلت له: هل ترى هؤلاء النساء الواحدة منهن تفكر في مشغل نسائي؟ هل ترى واحدةً تفكر ماذا تلبس من فساتين في المناسبة الفلانية أو الزواج الفلاني؟ هل ترى هؤلاء الرجال يفكر أحدهم أين يقضي سهرة الليلة في حديقة كذا أو على رصيف كذا؟ هل يخرج إلى قوم معهم شيشة على الطريق الدائري؟ هل يخرج إلى قومٍ عندهم طربٌ وسمر بالمكان الفلاني؟ لا.

يا أخي! القوم جياع، القوم لا يفكرون إلا بشبع بطونهم فقط، إذاً: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦ - ٧] لما حصل له الغنى ظهر منه الطغيان، ولو كان مريضا ً ما ذهب يبحث عن قومٍ يعصي الله معهم، ولو كان مشغولاً بلقمة العيش والسعي والكد لما وجدته يضيع وقته، هل وجدت عاملا ً من العمال طول النهار يشتغل فلما جاء الليل قلت له: تعال معنا في مجلس للشباب عندهم بلوت، وعندهم شيشة، وعندهم أغاني، وعندهم لهو وطرب، تعال وسع صدرك معنا، يقول العامل: لا يا أخي، أنا مسكين أولادي ينتظرونني، أنا أعمل عندك بستمائة ريال بألف ريال أكد عافية النهار وأداوي بالنوم في الليل تعب النهار، وهكذا تتوالى الأيام حتى أجمع لأولادي مالاً أعالج فيه مريضهم، وأستر فيه عاريهم وأبني لهم بيتاً أو كوخاً صغيراً يؤويهم.