للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خوف الكافرين وفزعهم وأمن المؤمنين واطمئنانهم]

ألا واعلموا يا عباد الله: أن هناك الكثير ممن يفضحون بأعمالهم يوم القيامة، فالذين يمنعون زكاة الذهب من هؤلاء يصفح لهم على جلودهم، ويحمى به على جنوبهم وظهورهم ويكوون به، وما منعوا زكاة بقرٍ ولا غنمٍ ولا إبل إلا بطح لها بقاعٍ قرقر، ثم تأتي عليه تطؤه بأظلافها، فإذا قضى آخرها رُدَّ عليه أولها، حتى يقضى بين الخلائق، فَيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.

ويوم القيامة طائفةٌ من الأتقياء، طائفة من الأبرار والأخيار يقال لهم: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:٦٨ - ٦٩] والسبب في أنهم أمنوا واطمأنوا يوم فزع الناس: أن قلوبهم في الدنيا كانت عامرةً بالخوف من الله، فرد الله عليهم هذا الخوف جزاءً بطمأنينةٍ وأمنٍ يوم القيامة، أليسوا يقولون: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان:١٠]، فكان جزاؤهم: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:١١ - ١٢] قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يومٌ أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يومٌ أجمع فيه عبادي) رواه أبو نعيم في الحلية (ومن كظم غيظه؛ خير يوم القيامة في الحور العين).

أما الشهداء فلهم عند الله كرامةٌ عند موتهم ويوم القيامة، والمرابطون كذلك يغدى عليهم بأرزاقهم، ويراح عليهم من الجنة حتى يبعثهم الله ويكرمهم.

والذين ييسرون على المعسرين فإن الله يتجاوز عنهم يوم القيامة، والذين يفرجون كربات المسلمين ويسترون المسلمين فإن الله يسترهم ويفرج كربهم، وكذلك من أنظر المعسرين فإنه يوم القيامة في ظل عرش الله.

ألا وإن سبعةً أيضا ممن يطمئنون في ذلك الفزع، قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشابٌ نشأ في عبادة ربه، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه.

ألا فلنستعد لذلك اليوم الذي سنقف له ونمضي فيه ولا تغرنا دنيانا؛ فإن أقواماً ملكوا أكثر مما ملكنا، ونعموا أكثر مما نعمنا، وأوتوا أكثر مما أوتينا، وهم رهائن وأسرى القبور واللحود، وسنقف وإياهم يوم القيامة، فالعاقل لا يغتر بدنياه منشغلاً عن آخرته، واستعدوا وأعدوا لذلك اليوم عملاً، ولذلك السؤال جواباً، ولذلك الحساب ما يدفعه؛ عسى الله أن يتجاوز عنا وعنكم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت العظيم الحليم، رب العرش العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، يا ودود يا ذا العرش المجيد! يا مغيث الملهوفين! ويا نصير المستضعفين يا رب العالمين! إنك تعلم أن إخواننا في البوسنة والهرسك قد حوصروا حصاراً عظيماً، وقد عجز المسلمون قاطبةً أن يفعلوا أمام هذا الحصار شيئاً، اللهم قل الناصر، وضعف المعين، ولم يبق لنا إلا وجهك يا رب العالمين! اللهم أنزل بأسك الذي لا يرد على الصربيين، اللهم أنزل بأسك الذي لا يرد على المجرمين، اللهم أنزله على الصربيين، اللهم ضعف الجنود واستضعفوا، ولم يبق إلا ما عندك وجندك الذين لا يعلمهم إلا أنت يا رب العالمين! اللهم إن الأمر قد عظم وتفاقم، وإن الخطب جلل، وإن العقلاء حيارى، وإن المسلمين عاجزون أن يفعلوا لإخوانهم شيئاً، اللهم إنهم عبادك فلا تسلمهم إلى الضعفاء يا رب العالمين.

اللهم إنهم يشهدون أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك اللهم لا تسلمهم إلى خلقك المساكين، اللهم لا تسلمهم إلى الضعفاء، اللهم لا تسلمهم إلى المفرطين والمرجفين إلى من تكلهم يا رب العالمين! إلى عدوٍ يتجهمهم أو ضعيف يتملك أمرهم، أو من لا حيلة له عليهم.

اللهم انصرهم بنصرك، اللهم انصر المسلمين في البوسنة، اللهم إن المسلم تغتصب زوجته ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، ويفعل الفاحشة بولده فلا يفعل شيئاً، وينهب ماله، ويحرق داره، ويسرق حرثه وماشيته، فلا يملك إلا أن يقول: يا الله وإنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:٧٥] اللهم إنهم يدعونك ونحن ندعوك أن تفرج كربهم، اللهم فرج كربهم، اللهم فك الحصار عنهم، اللهم إن ثمانين ألفاً من المسلمين يحاصرون يوشك أن تجري الدماء في شوارع بيهاتش، اللهم رحمتك بهم، اللهم رحماك بالأطفال وبالعجائز والشيوخ الركع، اللهم رحماك بالأيامى، رحماك بالثكالى، رحماك بالمستضعفين، اللهم أهلك الصربيين بالكروات، وأهلك الكروات بالصربيين، واجعل كيدهم في نحرهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، اللهم سلط عليهم جنودك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم.

اللهم لا نملك إلا الدعاء، وهذا الدعاء وعليك الإجابة يا رب العالمين! اللهم انصر المسلمين، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم، وعراةٌ فاكسهم، وجياعٌ فأطعمهم، وعطشى فاسقهم، ومستذلون فانصرهم يا رب العالمين! يا أرحم الراحمين! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم إنا نذكر ما حل بنا يوم أن سلط البعث صواريخه علينا فانقلب ليلنا نهاراً، وانقلب نهارنا فزعاً، وخلت الطرق، وهرب الناس، وإن ما بإخواننا أشد من ذلك وأضعاف أضعافه، اللهم عجل نصرك! اللهم عجل فرجك! اللهم عجل تأييدك! اللهم أنزل جنودك يا رب العالمين! يا أرحم الراحمين! اللهم صلّ على محمدٍ وآله وصحبه، وأقم الصلاة.