للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة الأمن وفضلها]

أسوق هذا -أيها الأحبة- مقدمةً لأقول: إن الأمن نعمة من نعم الله جل وعلا، وكثيرٌ من النعم لا يعرفها أصحابها إلا عند فقدها، فالصحة نعمةٌ لا يعرف تمام فضلها إلا المرضى، والماء نعمةٌ لا يعرف تمام فضلها إلا العطشى، والطعام نعمة لا يعرف حقيقة فضلها إلا الجياع، والكسوة نعمة لا يعرف حقيقة فضلها إلا من كان عريانا، فكل نعمة تعرف بفقدها وبضدها، نعوذ بالله من ضد النعم، ونعوذ بالله من سائر النقم.

معاشر المؤمنين: إننا في نعمة من أعظم النعم التي تفقدها كثير من الأمم ويغبن فيها كثير من الناس، ويسخرونها لغير مرضاة الله وطاعته.

إن من نال أمناً وطمأنينة فحري به أن يسخر هذه النعمة في الدعوة إلى الله وعبادة الله على بصيرة، وشكر نعم الله جل وعلا، لا أن يكون الأمن سبباً للهو والطرب، والعبث والرقص كما هو شأن كثير من العباد والعياذ بالله.

عباد الله: اعلموا أن البشرية وإن جمعوا أموالاً طائلة، وإن نكحوا عدداً من الزوجات، وإن تقلبوا في مختلف مظاهر المدنية، ما قيمة هذا كله بدون أمن؟! ما قيمة المال إذا كنت خائفاً لا تستطيع أن تجاوز بيتك لتشتري به قليلاً أو كثيراً؟! وما قيمة الحدائق ما دمت خائفاً لا تستطيع أن تنعم بظلالها الوارفة، ما قيمة الطرق وأنت خائفٌ لا تستطيع أن تسير أو تتجول فيها؟! ما قيمة الأسواق وأنت خائفٌ لا تستطيع أن تقضي حوائجك منها؟! ما قيمة كل ما تراه من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وشمالك وأنت مضطرب خائفٌ فزعٌ لا تستطيع أن تنال من هذا شيئاً؟! إذاً: أليست نعمة الأمن مقدمة على نعمة الأموال، وعلى نعمة الثراء، وعلى نعمة المدنية والحضارة، وعلى كل مظاهر النعم التي يتنافس الناس فيها ويحسد أو يغبط بعضهم بعضاً عليها؟ عباد الله: أقول هذا والقلب كله أسى، والكبد مكلوم، والفؤاد مفطورٌ لما حل بإخواننا المسلمين في الكويت من اجتياح بعثي كافر غاشم، على أرض إخواننا المسلمين.

أيها الأحبة: نقول هذا لأننا نعلم أن في البلاد رجالاً ودعاةً وصالحين، وعباد وأتقياء ومؤمنين، نعلم أن كل أولئك يعيشون على هذه الأرض، وأن هذا الأمر الذي حل بهم علم الله أنه أصابنا ما أصابهم وجعلنا نتأسى ونهتم ونغتم لما أصابهم، وهذا واجب كل مسلم، لا أن يقف موقف الشامت أو المتفرح أو الناقد.

فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الدهر جر على أناس حوادثه أناخ بآخرينا

إلى الذين يشمتون بمصائب إخوانهم نقول لهم: الأيام دول: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠] فقد يقع بهم كحال مَن شمتوا فيهم، وإن الأيام متقلبة، ولكن المتفرج على كربة أخيه يدفع الغرامة ضعفين، فلا أقل من أن نرفع أكف الضراعة إلى الله جل وعلا أن يرفع عنهم الوباء، وأن يدفع عنهم البلاء، وأن يبعد أولئك الفجرة البعثيين عن أرضهم، ونسأل الله جل وعلا أن يحفظ أعراضهم، نسأل الله أن يحفظ أعراض بناتهم وزوجاتهم ونسائهم، نسأل الله أن يحفظ ذرياتهم، نسأل الله أن يحفظ دماءهم، نسأل الله أن يَمنُّ عليهم بالهداية، وأن يتفضل عليهم بأمن وعفو وعافية وفضلٍ ورعبٍ في قلوب أعدائهم يدفع البلاء عنهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.