للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات أصحاب هم الآخرة]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله: إن المتأمل لأحوال الخلق يراهم إما من أصحاب هم الآخرة أو من أصحاب هم الدنيا، أو من أصحاب هم الدنيا والآخرة، فهم المخلطون وما أكثرهم في هذا الزمان! نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم أجمعين.

يقول يحيى بن معاذ الناس ثلاثة: رجل شغله معاده عن معاشه فهو من الفائزين، ورجل شغله معاشه عن معاده فهو من الهالكين، ورجل مشتغل بالمعاش والمعاد فهو من المخاطرين.

أيها الأحبة: لئن سمعنا صفات أهل الآخرة الذين أهمتهم الآخرة، ولئن سمعنا عما أعد الله لهم فلنسأل عن صفاتهم، إن أصحاب هم الآخرة أقوام علموا أن الدنيا وسيلة وجسراً للآخرة، فتصرفوا بالدنيا ولم يجعلوها تتصرف بهم، وشتان بين من جعل الدنيا غاية وبين من جعلها وسيلة، إن من الجنون أن ترى رجلاً قد ركب جسراً ينقل أو يفضي أو يوصل من بلد إلى بلد فلما بلغ منتصف الجسر أناخ رواحله وضرب خيامه ونزل بأهله وقال: ها هنا النهاية، أتظنون أن هذا من العاقلين ولو غره ما على الجسر من المناظر والمطاعم والمآكل والمشارب، أما العاقل فلن يغتر بما يرى على قارعة الطريق؛ لأنه يعلم أن الغاية بعد لم يصل إليها.

إن الذين يجعلون الآخرة همهم لهم صفات عجيبة: