للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع الآباء والأجداد بسبب انتشار البدع والضلالات]

إن المتأمل في كثير من البدع الشركية والبدع المفسقة، يجد أن من أخطر أسبابها: اتباع الآباء والأجداد، وقد بين الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام قال: إن من أسباب انتشار البدع اتباع الآباء والأجداد.

وحول هذه الآية يحدثنا أحد المشايخ عن رجل كبير في السن كان يصلي بجماعته التراويح ويقرأ قول الله عز وجل: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:١] حتى بلغ هذه الآية: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] سكت والجماعة سكتوا وراءه وهو يفكر في الآية: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] يعني يستغرب من منطق الكفار، فقال وهو يقرأ: انظر الجرأة، من شدة مناقشته في نفسه وتدبره وتأمله لهذه القضية، لما بلغ هذه الآية: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] سكت قليلاً ثم قال: انظر الجرأة، رفع صوته ونسي أن وراءه من يأتمون به، وذلك من شدة هذا الباطل الذي تمسك به الكفار ووقعوا فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الأحبة: إن اتباع العادات أمر خطير من أسباب الضلال وانتشار البدع، ولا تكاد طائفة من الطوائف التي لم تهتد إلى الحق تسلم منه أبداً، حتى عند الذين يدعون أنهم عقلانيون، وأنهم أصحاب براهين وأصحاب حجج ومنطق فيجعلون كلام أساتذتهم ورؤسائهم وقادتهم مسلمات قطعية لا يصح الاعتراض عليها، أما نحن فمن قال فينا أو قال لنا كلاماً قلنا: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف:٤] والجميل في الحق والهدى أنك لا تستحي بل تتشرف ويتشرف العالم أن أصغر طفل يقف أمام أكبر عالم ويقول: يا شيخ! ما دليلك على هذا الفعل؟ الدين من عند الله ورسوله فأين الدليل من كلام الله وكلام رسوله؟ لكن مصيبة الطوائف الضالة أن هذا السؤال ممنوع، أن تسأل عند الدرجة المعينة لك أن تسأل من الطهارة إلى كذا، لكن بعد ذلك لا تسأل، واسمع فقط لقول الشيخ، اسمع لقول الأب، اسمع لقول الجد، وإن فعلت غير ذلك فإنك على خطر أو أنت من الضلال أو من الخارجين عن الطريقة.

وكذلك اتباع العادات التي درجت بين الناس فتجد بعض المبتدعة يسلكون طريقة في العبادات على وجه من الابتداع، ويجري الناس في العلم معهم، وتجد هذا المنكر ينتشر يمنة ويسرة، ويتلقاه الناس جيلاً بعد جيل، ثم بعد ذلك يقولون: لو كان هذا باطلاً لما تتابع الناس على فعله، ولو كان هذا خطأً لما تواتر الناس على فعله.

أيها الإخوة: ينبغي أن ندرك القضية تماماً وخاصة من ينخرطون ويهتمون بالدعوة وسلك الدعاة، ينبغي أن يفهموا أن تقليد الأبناء للآباء، وتقليد الخلف للسلف فيا يعتقدون ويعملون من الحوائل العظيمة التي تقف دون قبول المقلدين للحق ومعرفته، بل إنها كثيراً ما تدفعهم إلى مناهضة الحق وأهله؛ لكونه مما كان يعتقده آباؤهم أو يعرفونه.

ومن أجل ذلك فإنك إذا قابلت أحداً جلس أمامك وناقشته وقال: تعال، أنا لا أسلم لك، أي: أنني مثلاً حينما أدعو شخصاً ما إلى أمر معين، أنا لا أريد منه من البداية أن يسلم لي، لكن أريد منه أن يعطيني عقله ويضعه على الطاولة مثلما يقولون.

ضع عقلك وأضع عقلي ولنجعل العقول بوحي الشرع تتحاور وتتناظر وتتناقش، لكن مصيبتك من إنسان يقول لك: أنا ما عندي استعداد اسمع، ولا عندي استعداد أناظر، ولا عندي استعداد أحاور، ولا أريد أن أسلم ولا استمع لشيء ويكفيني الذين عندي ولا أريد أن أقابلك ولا أسمع منك، هذه مشكلة الدعاة في عصرنا الحاضر، حينما تقابل إنساناً مصراً على ما عنده من تراب أجداده وجداته غير راض بأن يحرك من جمود عقله شيئاً.

حينما يتقابل العقل مع العقل فللعقل مع العقل حديث، وللروح مع الروح كلام، وللعين مع العين خطوات، وللنفس مع النفس أسلوب، لكن حينما تقابل عقلاً جامداً، أو جمجمة لا عقل فيها، فأسألك بالله كيف تناظر وتحاور، وكيف تناقش؟ وهنا تكمن هذه القضية، ولذلك إبراهيم عليه السلام لما ناقش قومه أخذ يناقشهم بالعقل لعله أن يستدرجهم في إحضار عقولهم من خزائن أجدادهم؛ ليدخلوا في هذه المناظرة.