للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر القرآن على المرأة الداعية في الصبر على الأذى]

أخيراً وختاماً: فإن أثر القرآن على الفتاة المسلمة أن تصبر على ما تؤذى فيه، لا شك أن الفتاة المسلمة سوف تؤذى، ومن اتبع القرآن وعمل به لا بد أن يفتن ولو شيئاً قليلاً: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:١ - ٣] لا بد أن تظهر حقيقة الفتاة التي تدعي الالتزام والتي تصدق مع الله في الالتزام، لا بد أن تظهر حقيقة الحجاب هل هو تجمل أو موضة أو تقليد أو تعبد لله واستجابة له، لا بد أن تظهر حقيقة القرار في البيت وحسن المعاشرة للزوج مع التي تدعي ذلك، وربما أرادت أن تصل من خلاله إلى أمرٍ آخر.

فالفتنة ربما وردت، ولكن أثر القرآن أن يثبت الفتاة المسلمة، ربما تلبس القفاز فتقابلها متبرجة سافرة في السوق وتقول: ما هذا التعقيد وما هذا التشدد، والدين يسر؟ نعم.

الدين يسر، لكن الدين ما قال: أخرجي نحرك ورقبتك ويديك وساقيك، وافتحي في هذا الفستان فتحة إلى ركبتك، الدين يسر لكن ما أمرك أن تتكسري بالقول وتخضعين به مع الرجال، نعم، الدين يسر لكن ما قال لك: تجملي في كل لحظةٍ تخرجين فيها إلى السوق، وتعطري حتى يشم الناس هذا العطر، ويفتتن الناس به، وربما فعل بعضهم المعصية وهم بها، الدين يسر لكن ما أمرك أن تتسلطي على المتحجبات والملتزمات، صدق الله العظيم: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:٢٩ - ٣٣].

الفتاة المسلمة قد تبتلى من إخوانها، قد تبتلى من أخواتها، قد تبتلى من قريباتها، قد تبتلى من زميلاتها المدرسات، قد تبتلى من أي مصدرٍ من مصادر الابتلاء المتوقع، لكن نقول: أثر القرآن أن يعينها على الثبات: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:١١ - ١٢] امرأة فرعون وزوجة الطاغية تبتلى، لكنها صبرت وكانت من أهل الجنة، وطلبت ودعت أعلى المنازل: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:١١] ربما ابتليت لكن القرآن علمها.

سمية بنت الخياط أم عمار بن ياسر، عذبهم أبو جهل، وأراد أن يردهم عن الدين، وأن يكفروا بمحمد، فأبوا؛ فكان ذلك الكافر النذل، القاسي القلب، الحجر الصلب، كان يجر تلك الصحابية الجليلة في حرارة الشمس، فهددها والحربة في يده، فقال: اكفري ارتدي اكفري بهذا الصابئ دعي دين محمد وعودي إلى دين الآباء والأجداد والأسياد، فأبت واختارت إلا أن تستمر على دين الله، فما كان منه إلا أن رمى بالحربة على فرجها، فتفجر الدم من جوفها، وكانت أول شهيدة في الإسلام.

هكذا صبرت الفتاة! ونحن وأنتن أيتها الأخوات أمام معترك خطير، الواقع الآن سوف يفرز المجتمع فرزاً واضحاً، فإما ملتزمات وإما منحرفات، إما صادقات وإما مداهنات، إما مخلصات وإما متلاعبات، إما فاجرات وإما طيبات عفيفاتٍ صالحاتٍ، فينبغي أن نتحيز وأن نميل إلى دين الله جل وعلا، وأن نكون مع الصالحين ومع الصالحات، ومع الصادقين ومع الصادقات، ومع المؤمنين ومع المؤمنات بإذن الله جل وعلا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.