للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجنة غاية الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله جل وعلا كما اجتمعنا واحتشدنا في هذا المكان المبارك أن يجمعنا بكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أسأل الله جل وعلا أن يغفر الذنب، وأن يستر العيب، وأن يمحو الخطيئة، وأن يسترنا وإياكم بستره.

أيها الأحبة في الله: لكم الفضل بعد الله علي أن دعيتم، ومن دعيُ فليجب، ومن لم يجب فقد عصى أبا القاسم، ولكم الفضل بعد الله جل وعلا أن حضرتم، وحضوركم هذا ضمانٌ وعزيمة ومضاءٌ يجعلنا نشعر بواجبنا تجاهكم، ويجعلنا نشعر بالمحبة نحوكم، لا عدمناكم، ولا حرمنا محبتكم، ولا حُرمنا ذاك العلم وتلك المحبة التي نراها في وجوهكم.

أيها الأحبة في الله:

الفجر يطلع لا محالة والقلب يخفق كالغزاله

إني أحن إلى البكور من لم يحن فلا أبا له

قالوا تعسفت الهوى وطلبت ربحاً أو إقاله

من كان يهوى صادقاً قبل المبيع بكل حاله

المجد يطلب قائداً قد زانت التقوى فعاله

والعز يهتف بالشباب المعرضين عن الضلاله

والقمة الشماء حظ الشامخين عن الجهاله

هم فتية الكون الكرام أبناء أشراف السلالة

فيهم مصابيح الهدى ولكل مصباحٍ دلاله

فيهم دعاةٌ للهدى ولكل داعية جلاله

فيهم سميٌّ للجهاد تهاب في الهيجا نزاله

يا إخوة الإسلام هبوا فالأذى جاد المقاله

أنمل من عرض الوساد وغيرنا ينعى عياله

أنموت من ألم الطعام وغيرنا يرجو النخاله

نجتر ألوان الخلاف والكفر جمع كل ماله

كلمات وليس شعراً، ولست بشاعر، لكنها في الطريق بين يدي القدوم إليكم، أسأل الله جل وعلا أن يجعل قولنا وكلامنا وعملنا خالصاً لوجهه الكريم.

اللهم إنك تعلم أن فينا من العيوب والذنوب ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يستره إلا أنت.

إلهنا! جملتنا بسترك، ولو كشفت سترك عنا ما أحبنا عبدٌ من عبادك.

إلهنا! زينتنا بمغفرتك، ولو كشفت عنا سترك لما قبلنا عبدٌ من عبادك.

إلهنا! لو كان للذنوب رائحة لما أطاق أحدٌ من الحاضرين مجلسنا.

إلهنا! لو كانت الذنوب أحجاراً في المنازل لما وجدنا مكاناً نسكن فيه أو نطمئن إليه.

إلهنا! جملتنا بالستر فيما مضى، فاسترنا وأعنا على الثبات فيما بقي يا رب العالمين.

اللهم اجعل لهذه الوجوه من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشةٍ أمنا، ومن كل فتنةٍ عصمة.

اللهم لا تدع لهذه الوجوه ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً من ذكرٍ أو أنثى إلا زوجته وأسعدته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

أيها الأحبة في الله: قد يقول قائل: في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن وأنواع البلاء التي تعرض على المسلمين صباحاً ومساءً، غدواً وعشياً: هل من اللائق أن يكون حديثك اليوم معنا: الطريق إلى الجنة؟ كنا نظن أن يكون الحديث عن فتنة البوسنة والهرسك، أو أن يكون الحديث عن مآسي المسلمين في كشمير، أو أن يكون الحديث عن آخر تطورات القضية الأفغانية، أو أن يكون الحديث عن أحوال المسلمين وأحوال الدعاة بالأغلال والزنازين.

أقول أيها الأحبة: إن الحديث عن الجنة هو منتهى المطاف في كل قضية لمن دخل واحدة منها وكان مريداً وجه الله جل وعلا.

أيها الأحبة: الحديث عن الجنة حديثٌ عن هدف الدعوة، وحديثٌ عن غاية الدعاة، وحديث عَمَّا يعد به الدعاة، وما يتمنونه، وما يرجونه لأنفسهم ولأتباعهم، ولأعوانهم ولأحبابهم، ولطلابهم وتلامذتهم، ما عرفنا داعيةً وعد ضالاً بعد الهداية بمنصب، وما عرفنا داعيةً وعد منحرفاً بعد الاستقامة بعطية، وما عرفنا داعيةً وعد جاهلاً بعد العلم بحظية، وإنما وعدنا وما نرجوه لأنفسنا وما نعد به كل من سلك الطريق هو الجنة، فمن أبى فعلى نفسه، ومن قبل فليلزم الطريق، وليعرف المبيع، وليأخذ الأهبة، وليعمل وليقم بالاستعداد.

أيها الأحبة في الله: الحديث عن الجنة كلامٌ عن غاية الدعاة، لا كما يظن الظانون، أو يرجف المرجفون أن الدعاة يريدون مالاً، أو يريدون جاهاً، أو يريدون سلطاناً، وذاك أمرٌ ليس بغريبٍ ولا عجيب، لقد ظنت قريش يوم أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ونبأهم بما أمره الله جل وعلا أن يبلغه، أن الرجل يريد مالاً، أو يريد جمالاً، أو يريد جاهاً، أو يريد سلطاناً، أو به رئيٌ من الجن، أو به أذىً من السقم، فقالوا: يا بن أخينا! لقد أغريت بنا سفهاءنا، وتجرأ علينا صبياننا، فإن كان بك رئيٌ من الجن عالجناك، وإن كنت تريد مالاً أعطيناك، وإن كنت تريد جمالاً زوجناك، وإن كنت تريد جاهاً سودناك، فإنهم أخطئوا الطريق يوم أن ظنوا أن هذه بغية وطلبة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانت طلبته إلا قوله صلى الله عليه وسلم: (إلهي وإله المستضعفين قبلي! إلهي وإله المستضعفين! هل تكلني إلى بشرٍ ملَّكْته أمري؟ أم إلى عدوٍ يتجهمني؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، لك العقبى حتى ترضى) والله ما كانت غاية النبي إلا أن يرضى الله جل وعلا، وإن رضي الله فلا تسل بعد ذلك عن حال العبد، وإذا تقبل الله فاعلم أنها النجاة والسعادة، والفوز والطمأنينة: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].

أيها الأحبة في الله: الغاية الجنة، ولسنا بصدد الحديث عن ذكر أو عدد أو تعداد الأعمال التي من فعلها دخل الجنة، فلكم فيها باعٌ واسع، وعندكم منها حظٌ وافر، ولكن الحديث عن الجنة حتى يُقطع الطريق عن كل مساوم وعلى كل مزايد يرمي الدعاة بما ليس في جعبهم، ويمقت الطيبين الصالحين بسوء ظنه بهم.