للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرك]

لا تنفع لا إله إلا الله إلا إذا سلمت من نواقضها، والشرك أقبح ناقض: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

وقال تعالى: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:٧٢]، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) الله عز وجل ليس بحاجة إلى عمل عباده، إما أن تعمل العمل خالصاً لله، مائة في المائة، لو كان تسعة وتسعين وتسعة من عشرة لله، وواحد من العشرة لأي أمر آخر ما نفعك العمل، يقول سماحة الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى، في برنامج نور على الدرب -كنت أستمع له في البرنامج- قال: لما علق على هذا الحديث: إن الله عز وجل يقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري) قال: من الناس من يعمل عملاً يريد وجه الله ويريد سمعة، يريد وجه الله ويريد مصلحته، يريد وجه الله ويريد شيئاً آخر، فإذا اختلطت مصالح النفس بمقاصد التعبد، فسد العمل ولم ينفع صاحبه، لكن أن تعمل العمل لوجه الله، ثم يأتيك من ثوابه العاجل غير ثوابه الآجل مصلحة في الدنيا فإن ذلك لا يضرك، كما قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال: (يا رسول الله! أحدنا يعمل العمل فيسمع ثناء الناس عليه فيعجبه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: تلك عاجل بشرى المؤمن).

فشتان بين أن يكون لك من المصلحة تبعاً للعمل والعبادة شيء، فهذا لا يفسده ولا يكدره، لأنك لم تقصد العمل لهذا الأمر المصلحي المادي، وبين أن تقول: نحن نجمع بين الاثنتين عبادة ومصلحة، نقول: لا.

لأن الله قال في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) والشرك ظلم عظيم، وهو أقبح القبائح وأكبر الكبائر وأعظم العظائم، وقد ذكره الله عز وجل في وصية لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهم بِظُلْم} [الأنعام:٨٢] اللبس بمعنى الخلط، أي: ولم يخلطوا إيمانهم {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] ما هو الظلم الذي لا يجوز لبسه بالإيمان؟ هو الشرك الذي قال الله عز وجل فيه على لسان لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].

قد يتساهل الإنسان ببعض الأمور يظنها لا تؤثر في الديانة، ولا في العقيدة، ولا في الثبات على الملة، فيتهاون بها، يذهب إلى ساحر أو عراف، أو يذهب إلى أحد من أهل الكفر والزندقة، ويقول: الأمر هين، أحضر دجاجة صغيرة جداً، أحضرها لنا واقطع رقبتها في هذا المكان، ولا تسم عند ذبحها، يعني: اذبحها للشياطين وللجن، وللطواغيت، هذه الفرخة الصغيرة كفيلة بأن تخرجك من الملة وتحبط عملك كله، ليس بشرط أن تذبح فيلاً من أجل أن تخرج من الإسلام، أو تنحر ناقة من أجل أن تخرج من الإسلام؟ بل لو أمسكت نملة وقطعتها قسمين وذبحتها تريد أن تقربها لغير الله وهي نملة لا تكاد ترى تكفي أن تخرجك من الملة، لذا جاء في الحديث الصحيح: أن رجلاً دخل النار في ذبابة، وآخر دخل الجنة في ذبابة، فقد مر الرجلان على قوم عاكفين عند صنم لهم -هؤلاء القوم حبسوا الرجلين- قالوا للأول: قرب قال: ليس عندي شيء أقربه، -يريدون منه أن يقرب لصنم من الأصنام، لغير الله عز وجل قال: ليس عندي ما أقرب- قالوا: قرب ولو ذبابة، فقدم ذبابة، أي: مسك ذبابة وفصلها فدخل النار.

بعض الناس يتهاون بالمسألة، يظن أنه إذا لم يملأ الدنيا دماء لغير الله معناه: أن الدعوة ليس فيها شرك، قلت: لو قرب بعوضة، أو قرب تراباً، أو قرب بيضة، أو أي شيء لغير الله على وجه التعبد فإنه يكفي ذلك لإخراجه ومروقه من الملة، وهدر دمه وسقوط عصمة ماله وعرضه.

أما الآخر قالوا له: قرب قال: لا أقدم لأحد غير الله، سواءً وجدت أو لم أجد، الأول قال: ليس عندي ما أقربه، أي: المسألة ممكنة، لو عندنا أبشروا، قالوا: قدم ولو ذباباً، فقدم ذباباً فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، قال: لا أقرب، سواء كان عندي أو ليس عندي لا أقرب إلا لله عز وجل، فضربوا عنقه فأدخله الله الجنة.