للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الناس كإبل مائة]

أيها الأحبة: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة) واسمحوا لي أن أكون صريحاً معاشر الأحباب! معاشر الأبرار من هذه الأمة! إننا كمثل قوم واسمحوا لي أن أكون قاسياً في المثال يا إخوة! دعونا أنفسنا أيضاً إلى بر ورشد، فوقفنا عند حد معين، الكثير الكثير من أبناء الصحوة المباركة غاية ما عنده أنه يذكر ساعة كان فيها منحرفاً فتاب إلى الله، فأطلق لحيته وقصر ثوبه، ومن نام على الدرب وصل.

نام عند هذه النقطة وما قدم شيئاً أبداً، هل تبنيت برنامجاً في أسرتك، في بيتك، في مجتمعك، في التعليم، في الإرشاد، في الوعي، في التوجيه، في جانب من جوانب الدعوة؟! (الناس كإبل مائة) ولذلك لو تقف عند باب المسجد، وتعد كل مائة على جنب، وأخرجت منهم واحداً.

هل فيكم أيتها المائة من قام بأمر أو مشروع طبقه واستمر به؟ أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، ينفع الله به الأمة، الخير يتوسع، وكما قيل: الوجود الطبيعي له نمو طبيعي، إذا كان هذا المجتمع كما يقول علماؤنا: الأصل في مجتمعنا الخير، والشر طارئ، الأصل السنة، والبدعة طارئة، الأصل الأخذ بالإسلام بجميع جوانبه، والتفريق بين ذلك طارئ، الأصل التوحيد والبدع والوثنية والشركيات -معاذ الله أن تكون لو كانت- طارئة.

يقول العلماء: الوجود الطبيعي له نمو طبيعي، فكون الصحوة مجودة ونشيطة ومتنامية في هذا المجتمع؛ هذا أمر طبيعي جداً جداً، نعم قد نعجب حينما توجد صحوة في اتجاه صحيح نحو التوحيد في بعض البلدان الإسلامية، مع الحماس للإسلام والرغبة والتشجيع نقول: الحمد لله هذا شيء جيد، عليهم أن يتجهوا للتوحيد وأن ينتبهوا للتوحيد، لكن هنا وجود التوحيد أمر طبيعي.

فالشيء الذي له وجود طبيعي، يكون نموه طبيعياً، رجل وزوجته في أسرة بعد خمس سنوات وجدنا عندهم أربعة أولاد هل يعتبر نمو هذه الأسرة من رجل وزوجة إلى وجود أربعة من الذرية امتداداً بدعياً أو يعتبر هذا نمواً طبيعياً؟ في الواقع أن رجلاً وزوجته بعد خمس سنوات عندهم أربعة أطفال هذا نمو طبيعي، فالواقع يفترض عليك أن يكون التزامك طبيعياً، أو أن ظاهرة التزامك أو حقيقة التزامك التي نراها اليوم ونعتبرها أمراً طبيعياً لا بد أن يكون لها -يا أخي الكريم- امتداد طبيعي، بمعنى أن يكون لك دور في أمر بمعروف أو نهي عن منكر.

وأعجب من هذا وأخطر أن تجد الواحد جبّاراً في الجاهلية خواراً في الإسلام؛ كثير من أبناء الصحوة المباركة أيام فساده لا تسأل عن دهائه ومكره وتخطيطه وفهلوته وألاعيبه وكل أسلوب يطبقه، فإذا التزم أصبح ظبياً جفولاً، وحملاً وديعاً، وحمامة سلام في منقارها غصن الزيتون، أين تلك القوة؟ (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) لا نقول: يوم أن كنت تدمر قبل التزامك، نريدك بعد الالتزام تأخذ لك (ساكتون) وترمي الدش -كما يظن البعض- بطريقة خاطئة فاشلة جاهلة من أولها إلى آخرها، ولا نريدك أن تمد يدك في إنكار منكر أو تغير المنكر بالقوة وباليد، لا، لكن نريد الصبر والعمل والثبات، ولن تبلغ الغاية إلا بطول نفس واستعانة بالله، وكثرة ذكر يعينك على الثبات على ذلك.

والله إني أعجب من شاب يوم أن تسمع عن أخباره إبان انحرافه أو قبل استقامته تجد العجب العجاب! ولما استقام؛ لم يتجاوز خطوات من بيته إلى مسجده، جزاك الله خيراً على هذه الاستقامة، ونحن لا نقول: كل الأمة تفتر، المطلوب شيء والواقع شيء آخر، ولا نقول: إن الأمة من أولها إلى آخرها ما لم يكونوا كلهم دعاة، وكلهم أهل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ فإنها أمة فاشلة، لكن الذين يمثلون صفوة المجتمع، وخيار الأمة في المجتمع يفترض أن يكونوا دعاة وهداة وأهل طاقة حركية، وأهل إنتاج وأهل تفجر، وأهل خير ونور يصل أقصى أماكن الظلام حتى يملأها، ويهزم جحافل الظلام فيها، مجالات الدعوة وتحمل المسئولية كثيرة، فهل نجد من يقول: أنا لها؟