للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة للجالسين على الأرصفة]

السؤال

يقول: فضيلة الشيخ نخبرك أننا نحبك في الله، ونسأل الله أن يجعل لحياتنا وإياك معنىً يرضي الله جل وعلا، وبعد نرجو من فضيلتكم إعطاء الشباب الذين يقفون على أعتاب السكك والأرصفة ويضيعون حياتهم وأوقاتهم في الشوارع ولا يهتمون بطاعة الله، نرجو إعطاءهم نصيحة جزاكم الله خيرا؟

الجواب

نصيحتنا لهؤلاء الشباب أن يسألوا أنفسهم ما هو دورهم في الحياة؟ وما هي الغاية من وجودهم؟ هل سأل كل واحد منهم نفسه سؤال الجاد، وأجاب جواب الصادق، ووقف يخاطب نفسه صراحةً أو أمام مرآة ويشير إلى عينه بعينه، ويقلب الوجه بالوجه ويسأل هذا الجسم، العين خلقت للبصر، والأذن خلقت للسمع، والأنف خلق للشم والنفس، وهذا الجسم خلق لماذا؟ أتخلق كل جارحة لحكم عظيمة وهذا البدن يضيع هباء منثورا، هذا أمر عجيب، ثم أيضاً أهذا البدن يستمر على هذه الدنيا معافىً مسلماً بلا كدر ولا نكد

ما أضيق العيش ما دامت منغصة لذاته بقدوم الموت والهرم

أيها الإخوة! أيها الشباب! إن من عرف قيمة نفسه عرف أين ينزل بها، وخذ مثالاً على ذلك: تجد الإنسان إذا كان من أهل الثراء والمال، حينما يريد أن يسافر فيقول له موظف الخطوط: أين تريد أن نحجز لك؟ يقول: طبعاً أحجز درجة أولى، لأن الإنسان يعرف عن نفسه إنه إنسان في مرتبة عالية، رجل أعمال لا يليق به إلا درجة أولى، أو إنسان تسأله عن أمور دنياه وملابسه من أي ثياب تلبس؟ يقول: ثيابي من المحل الفلاني، المقص الذهبي، أو خياط الأمراء، لأنه يرى نفسه في الأعلى، فيما يتعلق بأمر عرض في الحياة وليس من أساسيات الحياة، سفر أو ثوب أو حذاء -أجلكم الله- أو غتره أو شيء من ذلك، لكن تعال لنفسك، السفر: درجة أولى، الغتره: شماغ ملكي، الثياب: دفة أصلي -هذه دعاية للدفة- وهلم جرا المهم يعني تجد الرجل يختار لنفسه منازل محددة في ملابسه وتنقلاته وسيارته، فأي المنزلتين تختار لنفسك؟ رياض الجنة، وحلق الذكر أم المجالس التي تحضرها الشياطين وتفتح لأصحابها صحائف السيئات، وتكتب الملائكة على أهلها الزلات والعبارات؟ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] فعجباً للناس، وعجباً للإنسان كيف يختار لنفسه في أمور تنقله، وملابسه، وذهابه وإيابه، وطعامه، وأكله وشرابه يختار أرقى الأمور، لكن بالنسبة لنفسه ومنزلته في هذا الكون يختار أدنى الدرجات؟! سبحان الله، مجلس كهذا تغشاه الملائكة، تحفه الرحمة، تتنزل السكينة، يذكركم الله فيمن عنده، هل أحد يترك هذا المجلس لكي يجلس على رصيف ليلعب (بلوت) أو (يعمر شيشة) أهذا معقول؟ من الذي يقال له: أتريد الطيب أم النجاسة؟ يقول: لا، لا أريد طيباً أريد نجاسة، أتريد العزة أم الهوان؟ أريد الهوان، نقول: أتريد الكرامة أم الذلة؟ يقول: أتريد أن تكتب لك الحسنات أم تكتب عليك سيئات؟ يقول: نريد أن تكتب السيئات ولا تكتب الحسنات، أتريد أن تذكر في عداد الأبرار الأخيار الأطهار، أو في عداد سقط المتاع على الأقل؟ يقول: دعني مع سقط المتاع، أنا لا أقول كل من جلس على الرصيف من سقط المتاع، لكن أقول: ينبغي لمن جلس أن يعرف كما قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله: ما لنا عنها بد، قال: فإن كنتم فاعلين لا محالة، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه؟ قال: رد السلام وغض البصر، وكف الأذى) نعم لا أحد يمنعك أنك تجلس إذا مشيت أنت ومجموعة من إخوانك لكن اجلس على مرضاة الله، اجلس على أمر ينفعك وإخوانك، يجلس عشرة من الشباب يقرءون في كتاب، يسمعون شريطاً، يشوون دجاجاً، يشوون حماماً كما يشاءون، لا أحد يمنعك؟ لا تقل: والله هؤلاء المطاوعة عقدونا حتى على الأرصفة لا يريدون أحداً يجلس، أين تريدوننا أن نذهب؟ لا، نقول: لا حرج أن تجلس لكن بالضوابط الشرعية، أعطوا الطريق حقه، ما حقه؟ كف الأذى ورد السلام وغض البصر، أما جلسة على الطريق أذكر ذات مرة كنا في جدة، فمررنا على طريق اسمه الكورنيش، فرأينا شاباً مع صديق له فاتحين (الكبوت) و (الشنطة) والزجاج، والأغاني تصدح، حتى كأن الحوت منزعج في الماء، من ارتفاع الصوت فقلت لأخي الذي كان معي: ما رأيك بأن نقف ونرى ماذا عند الشباب، ونزلنا: سلام عليكم، حيا الله الشباب، فأخرج السيجارة، تدخن يا شيخ، قلت له: شكراً جزاك الله خيراً، وجعلناه يعيد الدخان في مكانه، فقد كان لديه (باكتين) فوق بعض، وعنده الزمزمية ونحن جالسون، قلنا: يا أخي سمعنا هذا الصوت الذي هو يصدح يميناً ويساراً أو ينعق بالأحرى والله وينعب يميناً ويساراً، وأحببنا أن نسألك يا أخي الكريم، أسألك بالله هل أقصى حجر أو مدر يبلغه الصوت من الغناء تؤجر به يوم القيامة؟ الصوت الذي كلما بعد وسمع يكون لصاحبه أجر وقبول، هو صوت الحق داعي الفلاح، داعي الأذان، (إذا كنت في ماشيتك أو في غنمك فأذنت فارفع صوتك فإنه لا يبلغ مدى صوت المؤذن أو لا يبلغه حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة) يا أخي الكريم! كل من يصل له هذا الصوت يشهد عليك ولا يشهد لك يوم القيامة، يا أخي الحبيب! الله أكرمك، ليس لتجعل الدخان المضر يدخل في جوفك ويحتبس في رئتيك، يا أخي الحبيب! حياتك ثمينة، حياتك عظيمة، الله خلقك في أحسن تقويم، وأسجد الملائكة لأبيك، وجعل أحسن الخلق والإبداع والدقة والتكوين فيك {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} [فصلت:٥٣] أعظم الآيات (ِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:٥٣] ثم دخلنا في موضوع الوظيفة، وما الوظيفة؟ وهلم جرا، أخيراً الشاب أخذ الدخان وحطه، وأغلق سيجارته، وقصر أو أغلق الموسيقى الذي كانت معه، وكان معنا شريطان وأعطينا كل واحد منهما شريطاً، ودعونا لهم بالهداية والتوفيق وذهبنا وتركناهم.

فيا أحبابنا! نحن لا نقول ذلك حتى لا يقولوا والله هؤلاء المطاوعة يحرمون الجلوس على الأرصفة، لا، من الذي قال: هذا حرام، لكن إذا جلست فأعط الطريق حقه، وإذا جلست أيضاً تذكر أن جلوسك من حياتك، أن تشذب وتقطع وتنشر في عمرك:

والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعد وتحسب

الليل والنهار مطيتان تقربان إلى الأجل، فإذا مضت ليلة قرب موتك ليلة، وإذا مضى يوم دنا موتك يوماً، فأحبابنا نقول أيضاً: إن الوقت هو الحياة، وما دمت تعرف ذلك جيداً فاحرص أن تنتفع وليكن جلوسك مثلاً أنت وخمسة وستة من إخوانك على الرصيف، إذا رأيت شاباً منحرفاً تعال دعه يجلس معكم، ابتسموا معه تبادلوا المرح والمزاح في المباح، والكلام الطيب وتألفوا قلبه، أهدوه شريطا، أعطوه كتابا انصحوه، حينئذ يكون لكل واحد منا دور ونفع ويكون للحياة معنى في كل موقع، حتى ولو كانت حياة على الرصيف فلها معنى أيضاً.

جزاكم الله خيراً وصلى الله وسلم على نبينا محمد.